طالما كانت ثنائية السبق والحقيقة سمتين أساسيتين لما يمكن تسميته بالإعلام الناجح، على الرغم من أن النجاح هنا قد استبدل ـ للأسف ـ من لدى الكثيرين بالجماهيرية التي ـ غالبا ـ ما تغلب الثنائية وتحل مكانها لأسباب تسويقية بحتة.

الجماهيرية بحد ذاتها تنجذب أساسا نحو السبق أكثر من انجذابها نحو الحقيقة، وهذه حقيقة كشفتها لنا الآلية التي تتحرك وتتفاعل فيها منصات التواصل أو قل الإعلام الاجتماعي، والذي يسعى مرتادوه إلى التغريد أو الكتابة قبل الغير حول حدث ما، دون التحقق إن كان ذلك الخبر صحيحا أو هو مجرد كذبة أو إشاعة تم تسريبها بذكاء.

كم من إشاعة تداولها المتابعون ثم قاموا بالترويج لها من منطلق رغبتهم في أن ينقل عنهم، وبالتالي تحويلهم إلى مصادر يمكن الركون إليها واعتبارها مراجع ومصادر يمكن الاعتماد عليها من لدى الجمهور العريض غير المهتم أساسا بالدقة و الحقيقة.

المحزن أن بعض الوسائل الإعلامية الإلكترونية والورقية، على حد سواء، انجرت إلى الإخلال بهذه الثنائية في سعيها لكسب أكبر قاعدة جماهيرية، وبالتالي تسويقية ممكنة، في وقت يبقى الإعلام الرصين في رأي العقلاء معروفا بالتزامه الحقيقة وإن تأخر خروجها.

نتذكر السبق الصحفي الذي فجرته مجلة التايم عندما كشفت للعالم الفضائح التي كانت ترتكب في سجن (أبو غريب) العراقي ووصمت للأبد التواجد الأميركي في العراق وكشفت الحقيقة القبيحة للنظام العسكري المحتل، الذي طالما روج لكذبة تحرير الشعوب والدعوة لحقوق الإنسان، حينها لم تهتم المجلة بنشر الخبر لتسبق الصحف اليومية التي كان محتملا تسرب المعلومات ذاتها إليها، بل عملت على التثبت من الوقائع ومساندة معلوماتها بالوثائق والتخطيط القانوني الذي يكفل لها الحماية الكاملة من معاقبتها من قبل الحكومة من منطلق الإضرار بالمصلحة القومية العليا، كما يحدث للأسف في بعض الدول العربية.

السبق إن لم يرتبط بالحقيقة ماهو إلا إشاعة تم ابتكارها وتوصيلها بسرعة للجمهور، وعليه فوسائل الإعلام التي تنفي خبرا ثم تؤكده أو العكس لا يمكن احترامها كوسيلة ذات مصداقية، لأن من ينقل الإشاعة ثم يكذبها هو إعلام الجماهير لا إعلام الحقيقة.