جلس المفكر الستيني يحكي لي ما سمعته كثيراً عن فترة الستينات وتشبيهها بما نعيشه الآن.. وكيف كانت الانقلابات تعم البلدان العربية، وكان "البيان رقم واحد"، هي الجملة الأشهر، توازي الآن "الشعب يريد إسقاط النظام".. كيف كانت دول الخليج تُهاجم من القوميين وغيرهم، وأنها رأس الرجعية وحليفة الإمبريالية.. كيف أُعجب الناس بالناصرية وأصبح صوت أحمد سعيد يملأ كل البيوت يوصل رسالته الإعلامية بكل ذكاء وكذب.. لكن الحق صمد..

شرح لي كيف اغتر الناس بثورات الدبابات، وأصبح الضباط هم الرموز.. وعندما أوشك على نهاية كلامه قال: أحمد سعيد مثل "تويتر" الآن موضة سيتضح كذبها وتنتهي.

كنت أنوي الصمت، ولكني قلت هنا المشكلة! "تتفيه" الظاهرة حتى تظهر آثارها ثم التعامل معها.. يا أستاذي الستينات هي سنوات الزعيم وأصدقائه، أما الآن فهي سنوات الشعوب، وأحمد سعيد لا يعرف شكله ثلاثة أرباع من سمعوه.. ولكن اليوم، الصورة هي من تتحدث.. ثم ألم تسمع عن الحشود الذكية والشبكات المرنة والحركات الاجتماعية.. ألم تسمع عن كلمة أو صورة تصل شعبا كاملا في ثوان.. وماذا عن جيل كامل أصبحت ثقافته ومصدر معلوماته جهاز جواله.. ولماذا إسقاط ظواهر قديمة على ظاهرة تعم الكون وتغيره.. هي ظاهرة لا بد من التعامل معها بأدواتها وليست على أنها "موضة" وتنتهي، وإلا سنصدم بجيل 2020 الذي لا يعرف إلا عالمه الافتراضي.. قطَّب حاجبيه وقال: أستاذي العزيز تكبر وتفهم، فتذكرت جمال مبارك عندما سألوه عن شباب "فيس بوك" فرد ضاحكا: رد ياحسين.. ربما كان أستاذي صادقاً.. فسكت.. ثم أخرج "آي فونه" وقال: "خلنا بس نشوف الأخبار".. كنت أريد أن أقول: "ورا ما تجيب الراديو؟!"