في يوم الأربعاء الماضي (6 نوفمبر)، مثل الضابط السوري الملازم محمد حسن طلاس أمام محكمة عسكرية في بيروت، بتهمة دخول لبنان بطريقة غير شرعية منذ شهرين، وقضت المحكمة بتغريمه وإعادته إلى سورية بالقوة. وطلاس هو ضابط سابق في الجيش السوري، انشق عنه والتحق بصفوف الجيش السوري الحر.
وأثناء المحاكمة اعترف الضابط السوري، وهو في الثلاثين من عمره، بأنه دخل لبنان خفية؛ لأنه كان يحمل رفيقا له مصابا يحتاج للعناية الطبية، وما كان النظام ليسمح لهما بمغادرة سورية.
وقرار المحكمة العسكرية هو أحد أحدث الإجراءات التي اتخذتها السلطات اللبنانية بحق اللاجئين السوريين في لبنان، لدفعهم إلى مغادرة لبنان وعدم اللجوء إليه. ومن الواضح أن إعادة طلاس إلى سورية هي بمثابة حكم بالإعدام، وهي فوق ذلك مخالفة صريحة للقانون الدولي المتعلق بحقوق اللاجئين، ولكنها مع الأسف ليست أول مخالفة من نوعها تُرتكب في لبنان بحق اللاجئين السوريين.
فبسبب قرب المسافة، وصلات القربى والثقافة المشتركة بين البلدين، بدأ سيل اللاجئين السوريين إلى لبنان منذ بداية الأزمة في عام 2011 وما زال مستمرا. ويستطيع الكثير من اللاجئين العيش مع أقاربهم على الجانب اللبناني من الحدود، ولكن بعضهم يضطر إلى طلب المساعدة من المنظمات المعنية باللاجئين.
وحتى منتصف يناير 2013، بلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين مع وكالة اللاجئين الدولية التابعة للأمم المتحدة نحو (152) ألف لاجئ، وعدد اللاجئين على قائمة الانتظار نحو (67) ألفا. ولكن التسجيل مع وكالة اللاجئين لا يعني أن وضعهم يصبح قانونيا في لبنان. فمقارنة بجيران سورية الآخرين، تعد المنظماتُ الدولية السلطاتِ اللبنانية أقلها ترحيبا باللاجئين. وذلك أن اللاجئين السوريين يواجهون عدة أخطار متوازية في لبنان: خطر الاعتقال من قبل السلطات كمقيمين غير شرعيين، وخطر الإبعاء والترحيل إلى سورية، وخطر الاعتداء والخطف من قبل الاستخبارات السورية أو المجموعات الموالية لها في لبنان، أو الجريمة المنظمة. وحسب تقارير منظمة "هيومان رايتس واتش" قامت السلطات اللبنانية بإعادة (14) لاجئا في شهر واحد فقط.
وربما كان عداء السلطات في لبنان تجاه اللاجئين السوريين يعود إلى سيطرة حزب الله وسطوته، وهو حليف أساسي للنظام السوري، وثمة تقارير متواترة عن وجود مقاتليه في سورية إلى جانب قوات النظام. ويلاحظ أنه عندما تمكنت قوات المعارضة السورية من القبض على بعض أتباع الحزب في سورية العام الماضي، ازدادت الاعتداءات والتضييق على اللاجئين في لبنان، مما يؤكد هذه العلاقة.
ومن الناحية الحقوقية والقانونية، فإن على لبنان التزامات واضحة في إطار القانون الدولي، بصرف النظر عن المواقف والتوجهات السياسية للحكومة اللبنانية أو اللاجئين. وتوضح (اتفاقية اللاجئين) الدولية تلك الالتزامات بالتفصيل، ومنها الالتزام بعدم ترحيل اللاجئين أوإعادتهم إلى بلادهم إلى أن تصبح الأوضاع فيها آمنة.
وقد أصبح تحريم إعادة اللاجئين قسريا إلى بلادهم أحدَ المبادئ الأساسية في القانون الدولي، تُفصِّله المادة (33) من اتفاقية اللاجئين، التي تنصّ على أنه "لا يحق لأي دولة أن تطرد أو تعيد لاجئا، بأي وسيلة كانت، إلى بلاده أو أي مناطق تتعرض فيها حياته أو حريته للتهديد." وبناء على ذلك، فقد استقرت في القانون الدولي قاعدة منع الترحيل القسري للاجئين إلى بلادهم، أو غيرها، متى ما كان هناك احتمال تعرضها لخطر الاضطهاد، أو انتهاك حقوقهم الأساسية.
وبناء على ذلك، فإن ترحيل السلطات اللبنانية للاجئين السوريين، إلى بلادهم، حيث يتعرضون لخطر حقيقي من الإجراءات العقابية من قبل النظام السوري، قد تصل إلى التعذيب والإعدام، يُعدُّ مخالفة جسيمة لالتزاماتها الدولية.
وفي الوقت نفسه، فإن الإجراءات اللبنانية في معاقبة اللاجئين بسبب دخولهم البلاد بصورة غير شرعية يتعارض مع نص وروح القانون الدولي. صحيح أن دخول البلاد بصورة غير شرعية يعد جريمة يعاقب عليها القانون في معظم الحالات، ولكن للجوء أحكام استثنائية. إذ تنص المادة (31) من اتفاقية اللاجئين على عدم معاقبة اللاجئ بسبب دخوله البلاد بصورة غير شرعية، إذا كان دخوله قد جاء مباشرة من مكان يتعرض فيه للخطر والتهديد، كما هو الحال في سورية.
ومن حسن حظ الملازم السوري محمد طلاس أن حكم المحكمة العسكرية في لبنان، يوم الأربعاء الماضي، بترحيله إلى سورية قد حرك المنظمات الدولية واللبنانية المعنية بحقوق اللاجئين، أكثر مما حركتها حالات الإبعاد السابقة، وتوالت احتجاجاتها على هذا الحكم. ولذلك فقد أشارت السلطات اللبنانية إلى أنها ستوقف إجراءات إبعاد اللاجئين السوريين، إذ بث الحساب الرسمي لرئيس الجمهورية تغريدة في (تويتر) تقول: "التوجيهات هي عدم ترحيل أي شخص سوري إلى سورية، تنفيذا لشرعة حقوق الإنسان"، دون الخوض في التفاصيل.
وليس من الواضح كيف سيتم تنفيذ هذه الرغبة الرئاسية في وجه سطوة ونفوذ القوى الموالية للنظام السوري في لبنان. وسيكون الاختبار الحقيقي لذلك فيما سيؤول إليه مصير الضابط السوري محمد طلاس، ومصير اللاجئين الآخرين الذين يواجهون تهما مشابهة في لبنان.