كانت بعض التوقعات ترجح عودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين مصر والجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال أيام، لكن اتضح أن البعض كان مغرقا في التفاؤل. الرئيس الإيراني جاء إلى القاهرة، لحضور قمة منظمة المؤتمر الإسلامي الأسبوع الماضي، وأصبح بذلك أول رئيس إيراني يزور مصر منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.

وبالرغم من جميع الجهود التي بذلها الوفد الإيراني قبل وخلال القمة، غادر أحمدي نجاد القاهرة دون أن ينجح في استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين. ومن أجل إظهار حسن النية، بادرت إيران بشكل انفرادي إلى إلغاء تأشيرة الدخول من المواطنين المصريين بدءا من الشهر القادم.

سألت الرئيس أحمدي نجاد، إذا كان هناك أي أمل بأن تعود العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين قبل نهاية مدة رئاسته، فأجاب بأن إيران اتخذت الخطوة من جانبها لكنها لا تستطيع أن تتحدث نيابة عن الطرف الثاني، فالأمر يعود إليهم أيضا.

الطرف الآخر، مصر، لديها الكثير من القلق والالتزامات التي يجب أن تفكر بها جيدا قبل أن يتخذ الرئيس محمد مرسي الخطوات الضرورية لعودة العلاقات الكاملة بين البلدين. فبالإضافة إلى الاتهامات المصرية لإيران، بأنها تتدخل في الشؤون الداخلية لبعض دول الخليج، وأنها تدعم نظام بشار الأسد، وتنتهك حقوق المسلمين السنة في إيران، هناك قضية حساسة أخرى..

بعد الإطاحة بشاه إيران محمد رضا بهلوي في 1979، قامت مصر بمنحه حق اللجوء. الشاه المريض مات فيما بعد في القاهرة، ونظم له الرئيس المصري في ذلك الوقت أنور السادات تشييعا رسميا. دفن الشاه في مسجد الرفاعي، إلى جانب الملك فاروق، آخر ملوك مصر. المصريون شيعوا الشاه الذي تخلى عنه الجميع، ومات في المنفى تاركا عائلته في حماية ورعاية الدولة المصرية.

المصريون متعودون على رؤية الملكة فرح تزور القاهرة كل عام في أغسطس، في ذكرى وفاة الشاه. إيران القديمة – إيران الشاه - ما تزال تحتفظ بعلاقات طيبة مع مصر، ولذلك على الرئيس محمد مرسي أن يسعى إلى بعض التوازن بين إيران القديمة والجديدة، إذا أراد أن يستعيد العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع الجمهورية الإسلامية.

زواج ولي عهد إيران الشاب من الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق جعل البلدين شقيقين. والمصريون ما تزال ذاكرتهم خصبة بذلك الحدث، أما الإيرانيون فقد نسوه تماما ومعظمهم لا يعرفون أن زواج ولي عهد إيران من الأميرة فوزية أثمر فتاة جميلة. لكن ما يعرفه الإيرانيون ويذكرونه، أن مصر وقعت اتفاقية سلام مع إسرائيل، الأمر الذي جعل إيران تقطع العلاقات الدبلوماسية معها. لكن إيران تهدف حاليا إلى تطبيع علاقاتها مع مصر مهما كان ذلك صعبا. وقد أعربت طهران عن استعدادها للتعاون مع مصر في حل الأزمة السورية، وعرضت على القاهرة تقديم خط ائتماني كبير لدعم الاقتصاد المصري، وألغت تأشيرة الدخول للمصريين إلى إيران، والإيرانيون مستعدون للرقص على أي موسيقى يختارها مرسي لهم، من أجل الوصول إلى التطبيع المنشود. إذا نجح في ذلك، سيكون تطبيع العلاقات مع مصر إنجازا كبيرا للرئيس نجاد قبل انتهاء مدة رئاسته الثانية.

الرئيس الإيراني الجديد يفترض أن يستلم مهام منصبه في يونيو القادم، وبغض النظر عمن يصل إلى السلطة، يعتقد المراقبون أن تطبيع العلاقات مع مصر سيبقى في أعلى سلم الأولويات.

السياح الإيرانيون ينتظرون بشغف منذ سنوات أن تتاح لهم فرصة زيارة القاهرة. ذهبت إلى مسجد الرفاعي في المدينة القديمة لإلقاء نظرة على قبر الشاه محمد رضا بهلوي. كان العمال في الداخل يسألونني طوال الوقت فيما إذا كنت إيرانية. لا أعرف إذا كان سؤالهم من باب الفضول أم أنهم قلقون من رؤية شخص إيراني قد يشكل خطورة على القبر.

من اللافت أنه بالرغم من جميع الجهود والزيارات والتحركات الهامة التي قام بها الرئيس أحمدي نجاد أثناء وجوده في القاهرة، فإن ذلك لم يلق الاهتمام الإعلامي اللائق في طهران. فالإعلام الرسمي قرر على ما يبدو تشويه جهوده، ولم يعطه تغطية جيدة. بقدر ما يعترض بعض الناس علنا في مصر على تطبيع العلاقات مع إيران، هناك في إيران أيضا نفس النوع من الناس. الفرق بين الجماعتين في إيران ومصر واضح في هذا المجال. ففي حين يقلق البعض في مصر من انتشار المذهب الشيعي، لا يريد منافسو أحمدي نجاد أن يسجل نجاحا في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية في آخر مدة متبقية له في الحكم. تطبيع العلاقات مع مصر حلم لا يريد المحافظون في إيران أن يحصل أحمدي نجاد على شرف تحقيقه في شهور حكمه الأخيرة.

وفي جميع الأحوال، فقد بذل أحمدي نجاد ما بوسعه لتطبيع العلاقت مع مصر، والكرة الآن في ملعب القاهرة.

الرئيس مرسي يريد أن يحافظ على علاقاته مع الولايات المتحدة من أجل بقاء المساعدات الأميركية لمصر التي تصل سنويا إلى 1.3 مليار دولار سنويا. لذلك ربما من الصعب أن يتمكن أحمدي نجاد من استعادة العلاقات الكاملة في هذه المدة بالرغم من الترحيب الحار الذي لقيه في القاهرة.

متى إذًا يمكن أن يستعيد البلدان علاقاتهما الكاملة؟ من الواضح أنه بالرغم من كل شيء فإن الرئيس مرسي لا يزال مترددا، لذلك قد يحتفظ بالكرة طويلا في ملعبه قبل أن يعيد رميها مرة أخرى. ربما يستطيع السياح الإيرانيون أن يساعدوا في تحسين الاقتصاد السياحي في مصر، فلماذا يرفض مرسي مثل هذه الفرصة؟