لم أشاهد الرياض بهذا الهدوء وقلة الزحام والراحة في قيادة السيارة مثل هذا الصيف. لولا خوفي على النشاط التجاري في المدينة من الموت لتمنيت أن تستمر الحال على هذا المنوال طوال العام. غيرأن هذه الحال لا تعبر أبداً عن وضع اقتصادي جيد في مدينة كبيرة كالرياض. خروج الناس من الرياض بهذا العدد الذي ترك أثره على حركة السير وبهذا الوضوح دون أن يأتي إليها زائرون جدد يدل على أن مستويات الإنفاق في المدينة خلال هذه الفترة قد تأثرت بشكل كبير وأصبحت متدنية جداً. هذا بالطبع يؤثر على الكثير من الأعمال وخصوصاً مقدمي بعض الخدمات كالنقل والضيافة والترفيه ومبيعات التجزئة وغيرها.
من هنا وتفادياً لهذا الركود الذي لا يقتصر على الرياض فقط، يتم عادة تشكيل اللجان المتخصصة بتنظيم المهرجانات الصيفية للترفيه والتسوق ومنها مهرجان الرياض لهذا العام. كانت المعلومة الأولى التي لفتت انتباهي عن هذا المهرجان تبث عبر برنامج "صباح العربية" وتكفل بالحديث عن المهرجان أحد المسؤولين المنظمين في بث مباشر على الهواء. توقعت أثناء استماعي لتلك المقابلة أن هذه السنة ستحمل المفاجآت المنتظرة عطفاً على ما أدلى به هذا المسؤول وخصوصاً عندما أشار إلى وجود الاستعدادات الكبيرة وتنظيم مئات الفعاليات. بدأ المهرجان في 7/7/2010م وهانحن اليوم وبعد أكثر من ثلاثة أسابيع من انطلاقته لم نشهد أي جديد في المدينة. سألت الكثير من الأصدقاء الذين أمضوا إجازتهم مثلي في الرياض عن هذه الفعاليات ولم يسمع منهم عنها أحد. واضح جداً أن المهرجان قد فشل فشلاً ذريعاً في الإبقاء على بعض من كانوا ينوون السفر إلى الخارج فضلاً عن جلب الزائرين إلى المدينة من خارجها.
دعونا نتعرف على بعض العوامل التي ربما ساهمت في إفشال هذا المهرجان. يأتي في طليعتها نوعية الفعاليات المنتقاة لإحياء فترة العطلة والركود. يأتي في مقدمة هذه الفعاليات إحياء الفن في صالات مغلقة من حفلات للفنانين السعوديين الكبار وإقامة المسرحيات الهادفة. لم يتضمن برنامج هذا المهرجان أي مناسبة فنية. بل إن الفن السعودي وباستثناء حفلات مدينة جدة، أصبح هو الآخر مهاجراً ومتجولاً في أماكن أخرى قد يسافر بعضنا إليها فقط لمشاهدة هذا الفنان أو ذاك وينفق آلاف الريالات في هذه الرحلة. في بيروت وعدد من المدن العربية المجاورة والأوروبية تطالعك الإعلانات عن تواجد "فنان العرب" وبقية الفنانين السعوديين. بينما لا تجد لهذه المناسبات تواجداً لائقاً في الرياض وهي عاصمة هؤلاء الفنانين والمدينة الراقية الحاضنة لملايين السكان. هل أصبح قدر ساكني هذه المدينة ألا يستمتع منهم أحد بحفلة حية لفنانهم المحبوب؟ ماذا عن المسرحيات الاجتماعية والمنضبطة والهادفة والتي قد نأتي بها من الدول المجاورة؟ كلنا يدرك أن للمسرح دورا اجتماعيا هاما بجانب الترفيه. يبقى التسوق ودرجة التخفيضات وأنواع البضائع المعروضة ومستوى الرقابة عليها بما يحقق المصداقية المنشودة.
لقد درج بعض التجار في المملكة بشكل عام على عرض ما يتكدس لديهم من البضائع القديمة للتخلص منها في أوقات المهرجانات التسويقية ويحجبون الجديد. هذا خلاف ما يحدث في مهرجانات التسوق الناجحة في دبي على سبيل المثال والتي يتم خلالها تخفيض أسعار كل الأصناف جديدها وقديمها تحت رقابة حكومية صارمة. هذه الرقابة بالمناسبة أكسبت تلك المهرجانات المصداقية وأصبح تقبل الناس لهذه المهرجانات كبيراً وملموساً كل عام.
إننا عندما نتحدث عن مثل هذا المهرجان وننتقد الأداء فإننا لا نتحدث عن الرغبة في جلب الفسق أو المجون للمدينة ولا نرى أن إضافة هذه الفعاليات تقع في خانة الترف. إننا في الواقع نتحدث عن اقتصاد حقيقي غائب تحتاجه المدينة ومؤسساتها التجارية وفروع الخدمات العاملة بها في هذه الفترة.
إضافة الفعاليات الفنية أصبحت ضرورة هامة وركيزة لنجاح أي مهرجان صيفي. يفترض أن يأتي مهرجان كهذا بالخير الوفير على أصحاب الفنادق والشقق المفروشة ومقدمي الخدمات العامة من طيران وسيارات أجرة وسيارات تؤجر ومطاعم وغيرها.
نجاح مهرجان كهذا وبحجم مدينة كالرياض كان يفترض أن يوفر آلاف الفرص الوظيفية الصيفية لبعض العاطلين عن العمل عن طريق توظيفهم تحت نظام الوقت الجزئي وبأجر الساعة. وهذا النظام الوظيفي بالمناسبة غير متوفر حسب علمي، وأهيب بوزارة العمل أن تضع اللوائح الخاصة به والتشجيع عليه.
كما أن مثل هذا المهرجان سيشغل الكثير من وكالات السفر والإعلان وتنظيم المناسبات وتقديم الحوافز والكثير الكثير من التغطية الإعلامية المناسبة. لم يحدث أي شيء من هذا في مهرجان الرياض للتسوق والترفيه.
من هنا علينا أن نعيد النظر في تنظيم مثل هذها المهرجانات وإحداث النقلات النوعية عليها مستقبلاً حتى لا تجاري فقط نظيراتها في الدول المجاورة المشابهة لها في الطقس والحرارة والغبار بل تتفوق عليها بمقدار تفوق الاقتصاد السعودي وإنفاق المستهلك داخله.
الوصول إلى هذه المستويات يتطلب الكثير من التخطيط المبكر بواسطة أفراد متخصصين في التنظيم ويتطلب استعدادا لوجستيا متطورا بما يكفل البحث عن الجديد في وسائل الترفيه والتنظيم اللائق والمناسب لسمعة ومكانة عاصمتنا الحبيبة.