في هذه اللحظة، التي تقرأ فيها، عزيزي، هذا المقال، ينام أربعة من أهلي ومن أقاربي أو من أصدقائي الخلص على ذات (الرقم) من الأسرة البيضاء في ثلاثة مستشفيات تحويلية بالحبيبة الرياض. وكل ما خشيته حين ابتدأت الكتابة قبل عقد من الزمن هو ما وقع بالضبط: أن يحوّل التباطؤ والبيروقراطية هذه العاصمة الأثيرة، إلى ورشة مركزية لسكان الأطراف كي نذهب إليها في الهزيع الأخير من العمر لسمكرة الشرايين والأكباد والأمعاء، واستبدال قطع الغيار الآدمية للقزحية والشبكية والكلى ومفاصل الأوراك وصمامات القلب وصابونة الركبة. كتبت قبل عقد من الزمن عن مخاوفي أن تتحول مقبرة (الراجحي) بشرق الرياض إلى استراحة (عائلية) لسكان الأطراف التي يصر الإهمال والتباطؤ والبيروقراطية على إبقاء مستشفياتها إلى مجرد عيادات للزكام والكحة.

هذه مهزلة إدارية لا يمكن هضمها حين يعلن البنك المركزي (مؤسسة النقد) أن حجم موجوداته من المال السائل تقارب (2457) مليارا فلا يجد المواطن منها سريرا في مدينته الطرفية علاجا لصمام القلب أو قرحة المعدة. تقول المعلومة التي اجتهدت في رسمها قبل قليل من كتابة هذا المقال إن هؤلاء المرضى الأربعة قد احتاجوا إلى (23) ابنا وأخا وقريبا للمرافقة والاطمئنان وقد أكون نهاية هذا المساء رقما إضافيا إلى شقق الرياض وغرف فنادقها من أجل أداء الواجب. تعالوا إلى ضوء الوهم الكاذب في نهاية الطريق. مررت (بالعمد) نهاية الأسبوع الماضي بأربعة مستشفيات جديدة في هذه الأطراف، وللعلم، فإن آخر بلاطة في هذه المشاريع الأربعة قد انتهت قبل عام ونصف. وحين اتصلت بمسؤولين اثنين للسؤال تلقيت بشائر الاطمئنان بأن هذه المشافي الأربعة ستبدأ التشغيل الأولي بعد عام من هذا اليوم. وبالطبع ستنضم هذه المستشفيات إلى طابور عيادات الزكام والكحة. وفي يدي اليسار، معلومة مقابلة، تقول إن المدينة الطبية بهذه الأطراف تحتاج إلى خمس سنين كي تكتمل الطوبة الأخيرة وهذا إن خالفت هذه المدينة الطبية قوانين مشاريعنا في الإهمال والتأخير والتباطؤ.

ولعله لهذا التبس لدي الأمر: هل أكتب لمعالي الوزير المختص كي يتدخل بجراحة عاجلة في زمن الطفرة الاستثنائية الهائلة، أم أكتب للمحسن الكريم سليمان الراجحي كي يتبرع لهؤلاء بسور مقبرة جديدة. وحين وصلت (لنفسي) على ذات الطابور وأنا على مشارف الهزيع الثاني من العمر: هل سأموت على سرير بهذه المدينة الحلم أو أحجز في شرق الرياض مترين مربعين من محسن كريم.!