لو عاد أحد الذين ماتوا قبل 20 سنة إلى الحياة مرة أخرى ورأى العالم العربي لمات حزنا وكمدا، ولترحم على أيامه التي كان فيها يتطلع إلى مزيد من تنسيق الجهود والأفكار وتوحيد التطلعات والقرارات بين دول العالم العربي، أما اليوم فما زال خريف "الربيع العربي" ينهش الدول التي "أزهر" فيها وربّع فيما لا يزال الجمر يومض بين خلل الرماد ويوشك أن يكون له ضرام في بعض الدول العربية.
كان العالم العربي في ذلك الحين تتنازعه قوتان عظيمتان، وكل واحدة من هذه القوى الكبرى تسعى لاجتذاب أكبر قدر من الدول في حلفها، تدور في فلكها تأييدا لما تؤيد واعتراضا على ما تعترض عليه، لكن حتى مع انقسام العالم العربي إلى تلك القوة أو إلى الأخرى منحازا إما إلى القوة الإمبريالية أو إلى القوة اليسارية إلا أن قضية "فلسطين" كانت من القضايا المتفق عليها بينهم، وكانت قراراتهم وتوجهاتهم حيالها تكاد تكون متطابقة ومتماثلة حتى مع اختلاف توجهات الدول الكبرى الحليفة، ولهذا كانت القضية الفلسطينية هي التي تتصدر نشرات الأخبار و"المانشتات" الرئيسية للصحف. أما الآن فإن القضية الفلسطينية انحدرت من أولويات اهتمام الصحف وعناوينها وتم ترحيلها إلى صفحة (الوفيات) وهذا بالطبع انعكاس لانشغال الدول العربية بما هو أهم، انشغالها بقضاياها الداخلية.
كما أن العالم العربي ابتلي في العقود الأخيرة بدولة جارة تتوفر على ثروة نفطية كبيرة صارت تسخرها في تنمية الخلايا البوليسية وفرق التفجير والميليشيات التي تنازع الحكومات داخل الأوطان، كما كان الحال واضحا وجليا في السطوة التي تمثلها ميليشيا حزب الله مثلا في لبنان في مواجهة الدولة هناك. والحال نفسه مع ميليشيات "الحوثيين" في اليمن الذين تصلهم السفن محملة بالسلاح والعتاد لا لشيء إلا لبث القلق وزرع الفتنة داخل اليمن وعدم السماح لهذا الوطن بالتفكير في التنمية والتطوير والاستقرار، وليس هذا فحسب بل إن المخطط يسعى لمد اليد إلى الجوار ومحاولة اختراق الحدود وبث القلاقل كما حدث مرارا مع الجارة الكبرى المملكة العربية السعودية.
ونفس الوضع يتوفر في العراق التي استطاعت الوصول إلى سدة الحكم في هذه البلاد عبر ميليشيا فيلق بدر، وثمة خلايا أخرى منتشرة في إندونيسيا وموريتانيا والبحرين والكويت وغيرها من الدول العربية والإسلامية، إضافة إلى توظيف السفارات في بعض الدول الأوروبية لتنفيذ بعض أجندتها في التفخيخ والتفجير مطاردة لأحد المستهدفين أو استهدافا للانتقام والترهيب ولي الذراع.
هكذا هي إيران التي غررت البعض برفع شعار تحرير فلسطين ومواجهة الشيطان الأكبر (أميركا) وهي التي أعاقت حلحلة القضية الفلسطينية من خلال زرعها للفتنة والشقاق بين حماس ومنظمة التحرير، بل وهي التي تعقد الصفقات – من تحت الطاولة - مع الشيطان الأكبر الذي بدوره غزا العراق ثم حل جيشه القوي ثم قام بتسليم العراق لإيران على طبق من ذهب.
ثم ها هي إيران تدس أنفها وظلفها في شؤون غيرها بلا جدوى، يمكن رصدها لا على صعيد الداخل الإيراني فقط الذي يئن اقتصاديا بعد تسخير ثرواته في تكديس السلاح صناعة وتجميعا؛ بل وعلى صعيد أيديولوجيتها التي حرصت على تصديرها للجوار والتي لم تحظ بالقبول الشعبي بل تم فرضها عبر الميليشيات التي تنزع لأسلوب القوة في مناشطها.
لكن مع ذلك كله فإن العالم العربي موعود قريبا بإفشال الجهود الإيرانية، والذي سيأتي متزامنا مع نجاح الثورة في سورية وضمور دور حزب الله في لبنان، بل والأمل معقود على أن يثمر التذمر الشعبي داخل إيران ليخرج مارد الثورة من قمقمه ويسهم في إسقاط حكم الملالي الذي لا تنسجم توجهاته وخططه مع هذا العصر، وعندها سيكون "الربيع" قد مد بساطه وفرش اخضراره على العالم العربي إن شاء الله، لأن انحسار القلاقل وتفشي الاستقرار هو إكسير التطور وعصب التنمية، وسيكون العالم العربي في حينها قد أزاح عن كاهليه "شيطانا للفتنة أكبر".