تلبّستني حالة حنق شديدة، وأنا أتواصل مع د. حمزة السالم الكاتب المهتم بالصيرفة والاقتصاد، الذي قال لي بصريح العبارة بأن: "بنوكنا تتمتع بكثير من الودائع المجانية، وتتمتع بإيداع فوائض احتياطياتها الزائدة عند مؤسسة النقد بالفائدة، وهذا مما لا تتمتع به البنوك الأميركية".
سبب الحنق، لأن أحد طلاب الجامعة، أرسل لي عبر "تويتر" بأن البنك المحلي الذي يُودع فيه، يتقاضى رسوما عليه، إن نقص حسابه عن ألف ريال، وتداعت للذاكرة المهترئة، تلك التعاملات الجشعة التي تقوم به بنوكنا السعودية تجاه المواطنين، من استيفاء رسوم على بطاقات الصراف، أو المطالبة بحق المواطن في كشف حساب لسنوات، دعك من موقف شخصي مرّ بي في البنك الذي أتعامل به، عندما خصم خمسين ريالا بسبب أنني لم آت بالشيك الخاص بهم، وأنا الذي اصطففت طيلة الوقت، وقدمت لهم ورقتهم التي يضعونها للعملاء الراغبين بالتحويل.
مؤلمٌ ما تقوم به البنوك تجاه المواطنين، وهي التي تتمتع بمزايا وتسهيلات مجانية بالمليارات تقدمها الدولة، وتحقق من خلالها أرباحا ضخمة صافية كل عام، تتهادى بخيلاء في جيوبهم الواسعة التي لا تضيق، بل في عزّ الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم، والبنوك الغربية تتهاوى كقطع (الدومينو)؛ كانت بنوكنا المصونة، في أعلى المراتب ربحية، بسبب هذه التسهيلات، لتصفع المجتمع بعد ذلك بهذه المماحكات الجشعة تجاه الطبقة الوسطى والفقيرة، ما يجعل السؤال هنا ينتصب: من بيده محاسبة هذه البنوك وردعها عن غيّها؟
كان السؤال يلوب في نفسي بكثير من الحيرة: أليس ثمة جهة رادعة؟ ويفاجئني الخبير الاقتصادي د. طارق كوشك بقسَمٍ عظيم؛ أنّ البنوك السعودية، لا يستطيع أحد الاقتراب منها، ومساءلتها عن أخطائها، وأن مؤسسة النقد تعجز عن ذلك، وقال بالحرف الواحد: (ساما) لا تستطيع أن تفعل شيئا حيال البنوك، لأنها محمية وخط أحمر، وأورد شواهد لكلامه هذا..
أرباح هذه البنوك تتزايد سنة بعد سنة، وأسوق لكم هنا النشرة الإحصائية الشهرية لشهر فبراير التي تصدرها مؤسسة النقد السعودي – بحسب صحيفة الشرق بتاريخ (26-03-2012) – وجاء فيه أن: "الأرباح المجمعة للبنوك السعودية قفزت خلال شهر فبراير الماضي بنسبة 35% لتصل إلى نحو 3.28 مليارات ريال، مقارنة بأرباح قدرها 2.43 مليار ريال خلال نفس الفترة من العام الماضي.
في شهر واحد فقط، كانت هذه الأرباح المليارية، ومجموع ربح البنوك السعودية – عدا أكبر بنك سعودي وهو البنك الأهلي - خلال العام الفارط وصل لأكثر من 28 مليار ريال، ما يجعلنا هنا نتساءل: أين نصيب المجتمع من هذه الأرباح؟ أين هي إسهاماتها أوقات الأزمات، بمثل ما حصل في جدة وتبوك؟ أين هي من مشكلتي البطالة والسكن، لماذا لم تقم بدورها؟ ربما ستجيب العلاقات العامة بتلكم البنوك، بإشهار دعمها لكراسٍ في الجامعة، وبعض الفتات الذي ترميه للمجتمع، بما لا يتوازى أبدا مع ما تغنمه من تلكم التسهيلات، والدلال الذي تحظى به.
د. محمد بن سعود العصيمي، من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية قدّم ورقة عمل في ملتقى تنظيم الأوقاف الذي رعاه وزير الشؤون الإسلامية مؤخرا، أشار إلى أننا لم نسمع عن بنوك أنشأت أوقافا، أو أقامت أو ساهمت في بناء مدارس أو مشافٍ، أو دور لإيواء العجزة والفقراء، أو حتى مشاريع طرق وحدائق، أسوة بما تنفذه بنوك وشركات في دول أخرى، بل الأدهى والأمرّ أن عددا من البنوك السعودية، لم تخرج زكاة الله المفروضة عليها شرعا منذ عشر سنوات، دون حسيب أو رقيب.
خبير الأعمال الإغاثية السعودية، د. عبدالرحمن السويلم، رئيس الهلال الأحمر سابقا وعضو مجلس الشورى، قال بمحاضرة له في 8/ 2/ 1430 إن إسهامات البنوك السعودية في دعم العمل الخيري (يندى لها الجبين).
الحقيقة، أن الغيظ يبلغ بك مقدارا يجعلك تصكّ على أسنانك قهرا، بأن المصرفية الإسلامية، التي من المفترض في مقاصدها العامة أن تتجه لنماء المجتمع، وعدم جعل الأموال دُولة بين الأغنياء، قامت بعكس ذلك، إذ في نهاية مطافها، وضعت كل الأرباح بيد البنوك، فحتى تلك الفائدة الربوية التي كان يأخذها المواطن من البنوك التقليدية، ويتصدق بها تطهرا وتدينا، أتت المصرفية الإسلامية، وشرعنت كل الأرباح للبنوك باسم الدين، وكل ودائعنا نحن المواطنين التي لا نتعاطى ريالا واحدا عليها؛ تذهب أرباحها كاملة بيد البنك، ما يدعوني هنا بتوجيه نداء لسماحة والدنا مفتي عام المملكة، الذي أعرف بأن له موقفا من هذه المصرفية، أن يتدخل ويوجّه مشايخنا الكرام، من مفتي الصيرفة الإسلامية، أن يعيدوا النظر في تلكم الفتاوى التي تتربّح من خلالها تلكم البنوك بشكل فاحش، ويأخذون الربح مركبا، دون أن يعطوا المجتمع منها سوى فتات هزيل. ليتك سماحة الوالد توجّههم أن يُلزموا في فتاواهم تلكم البنوك بإخراج حقّ المجتمع منها – غير الزكاة - تحقيقا لمقاصد الإسلام في المال.
من يحاسب البنوك يا سادة؟ ومن يُلزمها على القيام بواجبها الاجتماعي؟ هذا هو السؤال الذي يجب على كل المهتمين بالشأن العام، والحادبين على هذا الوطن، أن يسألوه، ويجب علينا أن نتنادى
– غيرة - بإلزام البنوك بالمساهمة الاجتماعية بأموال تتوازى مع ما تحققه من أرباح فاحشة، فهذه ألمانيا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ألزمت بنوكها ببناء بلدها - بما أورد د.عبدالقادر الحيدر بالاقتصادية - وقال: تعهدت البنوك الألمانية بدعم بناء المئات من المجمعات السكنية والتجارية، وبيعت للمواطن الألماني بأسعار شبه رمزية.
السؤال: لماذا لا نصنع مثلهم؟