قبل ثلاث سنوات كنت أتجول في معرض الرياض الدولي للكتاب، وفجأة ظهر أمامي أحد الإعلاميين، الذي أعرفه من خلال ما ينشر فقط، وبعد السلام بادرني بسؤال لم يخطر لي على بال إذ قال: عسى عندك رواية جديدة؟.. سكتُ قليلا ثم تبسمت وقلت له: ليس لدي أي رواية قديمة فكيف تكون هناك جديدة؟ قال: عجيب.. أنت قاص وأعرف أن لديك مجموعتين قصصيتين.. فكيف لم تصدر رواية؟ أجبته على سبيل المزاح: إذا اكتمل بياض شعري وتساقطت أسناني قد أصدر رواية؟ تعجب مني وقال: لماذا.. أما رأيت فلانا وفلانا وفلانا (الإعلامي) ألفوا روايات "ساخنة"، وهم لم يكتبوا قصة واحدة في حياتهم قبلها؟ قلت: هم أحرار.. ولكن هذه ليست روايات هذه مجرد ذكريات شخصية مكتوبة بلغة ركيكة، وما أشهرها أنهم حولوها إلى ما يشبه أفلام "البورنو" الخليعة، لجذب فئات كثيرة من الشباب والشابات فقط؟ ضحك وقال: المهم أنهم طلعوا مشاهير وأنت ـ يقصدني ـ أول من يكتب قبل أسمائهم عند أي خبر أو تقرير صحفي "الروائي فلان".
عندها سكت ولم أجب؛ لأنه وضع الحقيقة أمام عيني، وهي أن الإعلامي هو أول من يصنع من أنصاف المتعلمين "مبدعين وكتابا وروائيين" بقصد أو دون قصد، لكنها الحقيقة الماثلة أمام العيون. تذكرت هذا الحوار الذي كان أمام إحدى دور النشر العربية التي تخصصت في نشر تلك الروايات الوهمية التي اجتاحت الساحة الثقافية في السنوات العشر الأخيرة، وأنا أقرأ الإحصائية السنوية التي يتحفنا بها الأستاذ خالد اليوسف كأبرز عمل توثيقي للإبداع المحلي. إذ كان التراجع الكمي الكبير للأعمال الروائية وتقدم الشعر أبرز ما حفلت به تلك الإحصائية، وهذا يدل على خروج أصحاب موضة "رواية البورنو" الهزيلة جدا فنيا ولغويا وأسلوبيا، من الساحة بعد أن أيقنوا أن الرواية ليست مجرد مذكرات شخصية في غرفة نوم، يكتبها صاحبها/ صاحبتها بعد منتصف الليل، وهو يعاقر أحلام اليقظة..!.
فالمضحك أن بعض أولئك، من فئة "روائيي الغفلة"، عندما ينتقدون على سوء توظيف الجنس مثلا في "رواياتهم"، كانوا يستشهدون بروايات عالمية حوت بعض المقاطع المماثلة، وهم لا يعرفون أن كل ما كتبوه مجرد كلام إنشائي مموج وممزوج بالخلطة السرية "الجنس"، ولا يساوي شيئا أمام الأبعاد الإنسانية العميقة التي تحويها الروايات الشهيرة التي يستشهدون بها. والأهم أنهم لم ولن يدركوا أن توظيف "الجنس" في بعض الروايات الأجنبية جاء ضمن سياقات فنية داعمة للعمل الروائي، وليس مجرد حشو فارغ من أي معنى كما فعلوا.
بقي أن ندعو الله ـ ونحن نتقرب من الدورة الجديدة من معرض الرياض للكتاب ـ أن يحمي الأدب والمعرض من تلك "الشخبطات" الأدبية التي أساءت لمفهوم وسمعة "الرواية العربية".