كثيرون من أراهم يجرون لعملهم كل صباح، كجر الشاة إلى حتفها.. كثيرون من أراهم عابسين كارهين من حولهم داخل أروقة العمل، ولتغيير هذه الحالة البائسة على المرء أن يحب نفسه وحياته، وأن يستمتع في أداء عمله ويبدع فيه، فمهما كان عمله بسيطا يستطيع أن يحوله إلى محور أساسي في الدائرة التي يعمل من خلالها.. المهم أن يعمل المرء على تنمية مهاراته ويطبق ما تعلم، ولا يلتزم بالنمطية إلا في حدود معينة، إذ لا وجود لعمل ثانوي وآخر أساسي، فكلنا قادرون – بإذن الله - على الرفع من قيمة أعمالنا من خلال أدائنا وإتقاننا له.
ولنحب أعمالنا علينا تجنب مسايرة أصحاب الشخصيات السلبية التي تمتهن التذمر على مدار الساعة.. فالمدير لا يأبه بأحد، وفلان نال من رعاية الرئيس ما لا يستحق، ولماذا فلان ولسنا نحن.. وهكذا، فهذه الشخصية محبطة ومؤثرة سلبا، من النادر رؤيتها باشة مبتسمة، فلا أحد يعجبها، ولا أحد يستحق منها الإشادة.. ومع أنها قد تصل للعمل قبل الدوام الرسمي ولكن إنجازها منعدم.. فبالكاد تتحرك، وإن فعلت فسيكون حراكها كحراك السلحفاة، تمضي يومها متكاسلة خامدة.. أو متحدثة عن هذا وذاك.
أما من ابتلي بالرئاسة فمن واجبه الاهتمام بتحفيز العاملين في دائرته وزرع الثقة في نفوسهم، وليته يكلف من يراه مناسبا برعاية مجموعة ممن هم دونه خبرة وكفاءة، في حين يراقب الجميع عن كثب.. فتقسيمه للعمل وإيصاله التقدير للعاملين المتميزين، وإشعارهم بأن هناك من يراهم ويقدر عملهم؛ يزرع فيهم الولاء ويدفعهم لمزيد من العطاء.
أما اعتماد الرئيس على المركزية في العمل، بحيث لا يتحرك القلم إلا بتوجيهه ولا يتنفس الموظف إلا بتوجيهاته، فلن يصل به إلا إلى الفشل، خاصة لو كانت دائرة العمل كبيرة ومتشعبة. ولأن الموظف البسيط بحاجة ليد تصافحه ولسماع كلمة تشجعه ولابتسامة تحفزه؛ فأعتقد أن فكرة (موظف الشهر)، أي الإعلان عن الموظف المميز، ستترك في نفسه وزملائه أعظم الأثر، وستحفزهم على تقديم المزيد، خاصة لو تم الاختيار من خلال تصويت من هم دونه وأعلى منه مرتبة، وحبذا لو يركز في هذا التوجه على العمالة البسيطة، التي تحتاج إلى اهتمام أكثر من غيرها، فهي مع الأسف مهمشة في بعض مؤسساتنا، فلا يكاد ينظر إليها أو يشعر بوجودها.
وكل ما أطلبه من مدير أو رئيس أن يحرك رأسه يمنة ويسرة وهو يمشى في أروقة دائرته.. يسلم على هذا ويرد السلام على ذاك، خاصة أن بعضهم بسبب انشغاله بطبيعة الحال لا يشاهد إلا في النادر، وحبذا لو خصص يوما في كل عام يجالس فيه موظفيه.. يحادثهم ويسمع لهم، وعلى أن يكون هذا الاجتماع في أجواء حميمية غير رسمية، فكلمة طيبة تقال من المدير لموظف بسيط تبقى في ذهن المتلقي لسنوات، وتضمن ولاءه للدائرة التي يعمل بها وللعاملين فيها.
ولتتضح الصورة أعرض تفاعلا مختلفا لموظفين في دائرة واحدة، فقد نجد سكرتير شخصية ما.. شديد الولاء لعمله ولرئيسه، وإذا بحثنا عن سبب ذلك التفاعل الإيجابي سنجد أن السبب الكامن وراءه هو احترام وتقدير المدير.. وقد نجد في المؤسسة نفسها موظفا عابسا في وجوه المراجعين مهملا في أداء عمله، والسبب يكمن في المعاملة الفوقية من قبل المدير.
هناك سياسة إدارية تتبعها "أرامكو" وغيرها من الشركات الناجحة، وهي في مجملها سياسة محفزة لكافة العاملين، فبعد عدة سنوات تعقد كل دائرة احتفالا خاصا يحضره كبار المسؤولين في الدائرة، يكرم فيه كافة من أمضى في عمله فترة من الزمن، ويتخلل هذا الاحتفال وجبة طعام وهدايا قيمة وكلمات محفزة للمزيد من العطاء، يلقيها وبشكل خاص الرؤساء، وهناك من يعقد في إجازة نهاية الأسبوع احتفالا سنويا خارج حدود العمل يجمع كافة العاملين ويستمر لساعات..
من الطبيعي أن نكرم المتقاعدين، ولكن من المؤسف ألا يشاهدوا تقديرنا وإعزازنا إلا ساعة الرحيل.. من المؤلم أن تستمر خدمتهم لسنوات وسنوات دون حصولهم على شهادة تقدير أو هدية معبرة.. من المؤلم أن يمضي الموظف حياته العملية وهو لم يصافح رئيس دائرته ولو مرة واحدة! من المؤلم أن تطالع علامات الأسى في المتقاعد وهو يجر قدميه للساحة المخصصة للاحتفال به، وكأنها ساحة مخصصة لقطع رأسه.
أما الأعمال الإضافية التي يكلف بها بعض الموظفين، فهي تعد نوعا من التكريم، لأنها مرتبطة بحوافز مالية وغير مالية، وهي في مجملها ـ مع الأسف ـ لا توجه إلا للمقربين من صانعي القرار في تلك الجهات دون غيرهم، وعند مطالبة موظف ما بالمشاركة في أدائها قد يجد الرفض أو التسويف، وهذه سياسة محبطة للغاية، إذ إن التفرقة في التعامل بين الموظفين تؤثر سلبا على نفوس الفريقين ممن نالهم الدلال أو ممن أقفلت الأبواب في وجوههم. وليت الإدارات تعلن عن هذه الأعمال الإضافية، خاصة الروتينية منها، التي لا تتطلب خبرة واسعة.. ليتها تفسح المجال لكافة العاملين للمشاركة فيها، وأجزم أنها سترصد تغيرا إيجابيا فاعلا في إنتاجهم.. أعاننا المولى سبحانه لنكون متقنين لأعمالنا، متصالحين مع أنفسنا ومع غيرنا.