فزعة طلابيّة عجيبة في المدن قبل القرى، عنفٌ واحتكاكات شبابية، ضرب معلمين وطلاب، حوادث سطو على المدارس، تكسير وإتلاف ممتلكات، ثقافة عنف وجريمة طفت على السطح بل طغت وملفات القضايا موجودة ليتفرّقُ الدمِ بين مراكز الصحة والشرطة أو تقيد ضد مجهول!.
تتابع تقارير وأخبار صحفيّة لا يخلو أسبوع منها من هذه النماذج المتناثرة، وفي أسبوعين ماضيين فقط جمعت لكم.. إصابة العشرات من طلاب مدرسة واحدة فقط بمضاربةٍ بين قبيلتين.. مدير مدرسة يضرب معلماً.. رفض 27 معلماً الذهاب لمجمعهم التعليمي بعد الاعتداء عليهم من قبل 30 ملثماً بينهم 11 طالباً لأن حياتهم معرضة للخطر، مدير مجمع وأحد المعلمين تعرضوا لاعتداءات ورسائل تهديد بالقتل، طلاب آخرون تورطوا في إحراق غرفة المعلمين وأوراق إجابات مادة اللغة الإنجليزية... القائمة تطول ولهيبها ينضحُ في كل عامٍ ازدياداً وإهمالاً.
قضايا مُعتمة، ومعقّدة الأسباب بدأت تنشط وتمارس داخل أسوار مدارسنا وتصدّر إلى خارجها، مما يقودنا إلى بعض من أسئلة المشكلة.. هل أصبح العنف في مدارسنا ظاهرة؟ ما الأسباب الكامنة وراء ذلك وكيفية التعاطي معها؟..
ولعلنا ننطلق من هنا سريعاً لأسباب متعددة تبدأ من عدم توافر البيئة المدرسية المناسبة والجاذبة نحو العملية التربوية برمتها والمؤثرة إيجاباً نحو جوٍّ مفعم يبعد الشحناء وإثارتها بين الطلاب والمعلمين مع وجود قيادة تربويّة حكيمة، وسببٌ آخر يتجه نحو غياب دور المرشد الطلابي الحقيقي الذي انتقل دوره إلى مؤرشف ملفات مكوّمة و(فورمة) معلبّة مكتوبة كل سنة من أجل عيون مدير المدرسة ومشرف تربوي!، وانعدام لوجود متخصصين في علم النفسي المدرسي في تعليمنا بأسره.
وخارج أسوار المدرسة، تقابلنا برامج (الإثارة) التي غزت مجتمعاتنا وبكل سطحيّة في السنوات الأخيرة منذ إفرازات (ناقتي ياناقتي) وقنوات (المهايطيّة) و(مزايين) القرن الحادي والعشرين وتبعاتها الجاهلة والجاعلة من القبيلة ولاء يسبق الدّين والوطن، وحميّة ضنكى لا يُعلم إلى أين تتجه بنا؟!
أما المنعطف الثالث والأهم علميّاً.. يتجه نحو غياب مفهوم "الأمن التربويّ"، فالتربية بمفهومها الواسع الشموليّ تضم تحت غطائها تعزيز كل الجوانب التي يحتاجها الطالب بما فيها الجانب الأمني كجزء من منظومة المفهوم التربوي الدوليّ الواسع وتطبيقاته الممتدة في كثير من دول العالم المختلفة، للاستفادة منه في تعزيز الأمن الوطني، ولزيادة الوعي بأهمية الأمان الاجتماعي وأثره في تحقيق التقدم والنمو الشامل للأجيال، فمثلاً نجد مدارس عالمية كثيرة تضع متخصصين أمنياً للعمل بها، بل إن بعضا مكلف من الحكومات بتوظيف رجال شرطة في المدارس وله مكتب داخل المدرسة ويقوم بمهام أمنية كبيرة للحد من الممارسات الخاطئة مع حراسة المدرسة، لذا تعد أميركا رجل الأمن جزءاً أساسياً من العملية التربوية الذي يشارك المتخصصين كمرشدين طلابيين واجتماعيين التوجيه والإرشاد للحد من عدة ظواهر منتشرة كالعنف وانتشار السرقات وتعاطي المخدرات والاعتداء الجنسي، كما أن المستشار الأول للقضايا الأمنية والنفسية.
التجارب في تداول مفهوم "الأمن التربوي" داخل المدارس كثيرة ومنها ما وجد في بعض الدول العربية التي تبنت بعض التطبيقات التربوية للتربية الأمنية خصوصاً ما يتصل منها بظاهرة العنف الاجتماعي والعنف والإيذاء المدرسي؛ فنجد على عجالة أن الأردن قام بتبني مشروع إعلامي وطني تحت شعار "كن أمينًا على ثروة بلادك"، كما قام اليمن بتبني مشروع قومي "الأمان في المدرسة" لتوعية المعلمين في المدارس بالآثار المترتبة على العنف ضد الطلاب وتأثيره على حياتهم ومستقبلهم، في حين قامت الجزائر بتنفيذ دراسة ميدانية قومية حول رؤية الطلاب عن أنواع العنف الذي يتعرضون له ودرجة شدته وأسبابه.
مفهوم "التربية الأمنية" وتحويله إلى برنامج تربويّ متكامل يدخل ضمن المنهج الدراسي مع وجود رجل أمن مقيم "مؤهل ومتخصص" في كل منشأة مدرسيّة كبرى يعزز النشاطات التكاملية مع الجهات الأمنية واقتراحنا يتجه نحو وزارتي الداخليّة والتربيّة والتعليم بتبني ذلك تفعيلاً لمفهوم "التربيّة الأمنيّة" كنواة للأمن والأمن الوقائي ولردع كثير من الظواهر والانفعالات السلوكية ليتم القضاء عليها مبكراً قبل أن تكبر وتتسع الهوة بين تعديل السلوك والجريمة مستقبلا!.