المفاجأة التي صدرت مؤخرا من وزارة العدل، بانخفاض نسبة الطلاق في المملكة العربية السعودية عن العام الهجري 1432 لتصل إلى 18%، تحتاج إلى توضيح فيما يتعلق بطريقة احتسابها، وسوف تقترب من المصداقية بشكل أكثر، لو أن الطريقة التي اعتمدت عليها الوزارة في استنتاج هذه الإحصائية تمت بطريقة مختلفة. فالإحصائية تم التوصل إليها من خلال احتساب جميع صكوك الزواج في العام 1432، ومقارنتها بجميع صكوك الطلاق التي سجلت في نفس العام، وبهذا فإن الإحصائية محددة بعام واحد، بالنسبة لصكوك الزواج التي حدثت في ذات العام، ولكنها ليست محددة بحالات الطلاق بين من تزوجوا في ذات العام وتضيف لهم جميع حالات الطلاق، وقد تكون الوزارة محكومة بهذه المعلومات، وتعاني من عدم توافر قواعد بيانات سليمة، الأمر الذي يستوجب ضرورة البدء الفوري في تأسيس قاعدة بيانات أكثر شمولا وأكثر دقة. تحديد نسبة الطلاق يكون بمعرفة نسبة المطلقات بين النساء السعوديات في عمر الزواج كما هو مألوف، ويمكن ذلك من خلال الدراسات العلمية أو من خلال الإحصاءات العامة للسكان، كما يمكن القبول بتحديد هذه النسبة من خلال مقارنة عقود الزواج إلى صكوك الطلاق، بشرط توفر متوسط لجميع السنوات الماضية، والذي يفترض أن وزارة العدل تحتفظ به بشكل دقيق وتراكمي، وهذا من شأنه أن يجعل نسبة الطلاق تقترب من المصداقية بشكل أكثر.
والمتأمل لإحصاءات وزارة العدل، يجد أنها لا تكشف عن رصد دقيق لسنة الطلاق، وعدد مراته، ومدة استمرار الزواج قبل حدوث الطلاق، وكم عدد الحالات التي انتهت بالطلاق في كل سنة من تاريخ الزواج على حده، والطلاق خلال الشهور الأولى من الزواج، رغم أنه بإمكان الوزارة رصد جميع هذه المؤشرات الحيوية بشكل دقيق، وبالتالي يوجد لدينا أساس تنطلق منه المقارنة حتى نقطع بالانخفاض. وفي ظل غياب معلومات الطلاق عن الإحصاءات العامة، وعدم وجود مراكز وطنية يعتمد عليها لقياس الظواهر والمشكلات الاجتماعية، تبقى هذه الإحصائية لوزارة العدل هي الأقرب للواقع. وعند احتساب متوسط صكوك الطلاق الصادرة من الوزارة خلال الخمس سنوات الماضية مقارنة بعقود الزواج في نفس السنوات، نجد أن معدل الطلاق يبلغ نحو 22%. وهي نسبة أعلى من الرقم الذي أعلنته الوزارة لسنة 1432.
الملفت للانتباه، أن هذه الإحصائية أثبتت أن السعودية تسير بعكس المجتمعات الخليجية والعربية التي تزداد فيها نسب الطلاق، بل إنها الأقل على مستوى العالم العربي وعلى مستوى الخليج، الذي تصل فيه النسبة إلى ضعف هذه الإحصائية التي ذكرتها الوزارة، يأتي هذه الانخفاض رغم أن مؤشرات الطلاق العالمية في ارتفاع، ورغم أن المجتمع يعاني من التحولات الاجتماعية نحو النزعة الفردية، وميل الشباب والشابات نحو عدم تحمل المسؤولية، وخروج المرأة للعمل واعتمادها على نفسها بدلا من اعتمادها على الرجل، فضلا عن ارتفاع ملحوظ في سقف المطالب والمواصفات، وغموض في الأدوار، وتغير في فهم الحقوق والواجبات من الطرفين، واختلال في شبكة العلاقات الاجتماعية، وهذه جميعها عوامل تؤدي إلى ارتفاع نسبة الطلاق بكل تأكيد.
وبغض النظر عن انخفاض أو ازدياد نسبة الطلاق، فإنه يجب على الوزارة ألا تنشغل كثيرا بالعمل على خفض نسبة الطلاق، كما هو حاصل حاليا من خلال بعض التصريحات، وعليها ترك هذه المهمة لمراكز الاستشارات الاجتماعية، ولمؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية المهتمة، وعلى حد علمي أنه لا توجد وزارة عدل في العالم، ترى أن من صميم عملها خفض نسبة الطلاق، أو أن دورها يتمثل في إقناع الطرفين بالعدول عن الطلاق. فالوزارة دورها هو ضمان العدالة للجميع، وعدم تأخير القضايا المرتبطة بالطلاق والإسراع في البت في قضايا الحضانة والنفقة والولاية والعضل والهجر والنشوز والحق في رؤية الأطفال وسرعة البت فيها، والتأكد من عدم تأخرها في المحاكم، لأنها قضايا لا يقبل فيها التأجيل أو التأخير.