-1-

لا أحد يُنكر أن المرأة السعودية، قد حفرت مستقبلها بالصخر القاسي جدا وبأظافرها، كي تصل إلى ما وصلت إليه في هذه المدة القصيرة من الزمن، قياسا للمدة الزمنية التي قضتها المرأة الغربية كي تظفر ببعض حقوقها، بعد أن دفعت الثمن غاليا، ومن دمها، لمشاركتها الفعلية في الحروب الأوروبية في القرن العشرين.

فاستطاعت المرأة السعودية خلال نصف قرن من الزمان (1959-2012) أن تحقق منجزات كانت في نظر البعض في الماضي ضربا من الخيال الشعري.

-2-

فمثلا في سبتمبر من عام 2007، حازت الفنانات التشكيليات السعوديات الفائزات بمقاعد مجلس إدارة (الجمعية السعودية للفنون التشكيلية) عددا كبيرا من الأصوات. ففازت الفنانة التشكيلية اعتدال العطيوي بـ52 صوتا، والتشكيلية تغريد البقشي بـ40 صوتا، وشاركتها في نفس عدد الأصوات الفنانة التشكيلية منال الرويشد. وقالت الفنانة التشكيلية اعتدال العطيوي لصحيفة "الوطن" هنا، إن هذه الجمعية ووجودها، أشبه بالحلم القديم الذي لم نصدق رؤيته. وها هو يتجسد الآن على أرض الواقع.

وهذا حدث ثقافي بارز، ومؤشر من مؤشرات التقدم الثقافي للمرأة السعودية الجديدة. وهو حدث، صغير في حجمه، كبير جدا في معناه، ومرماه. كذلك، فإن هذا الحدث له بُعدٌ اجتماعي وسياسي تقدمي، في آن واحد. فبُعده الاجتماعي، يتمثل في أن نساء سعوديات، يترشحن، ويُنتخبن، ويفزن من خلال الاقتراع الحر النزيه، بثلاثة مقاعد في جمعية ثقافية فنية تشكيلية. وبُعده السياسي، يتمثل في أن المرأة السعودية، بدأت خطواتها الأولى نحو صناديق الاقتراع.

ففي ذلك اليوم، حصدت ثلاث فنانات تشكيليات سعوديات ثلاثة مقاعد من أصل عشرة مقاعد، في أول مجلس إدارة جمعية فنية وثقافية سعودية. وهذه الجمعية تشكلت بالانتخاب، وترشح لدخول مجلس إدارتها 42 فنانا تشكيليا. وشاركت الفنانات التشكيليات السعوديات في الترشح لمقاعد مجلس الإدارة، وفي انتخاب عشرة فنانين صوّت لهم 99 ناخبا وناخبة، وبحضور وكيل وزارة الثقافة السعودية.

-3-

تلك كانت خطوة مهمة، في تقدم المرأة السعودية، والسير في الطريق الصحيح. فإعطاء المرأة السعودية لأول مرة حق المشاركة في الترشح والانتخاب، نتيجة لما حققته من نتاج تشكيلي فني رفيع، هو الذي أمكنها من الحصول على حق المشاركة في الانتخاب والترشح. وبذا، فإن المرأة السعودية لن تحصل على حق من حقوقها إلا بما تقدمه للوطن. فالأنظمة في كل أنحاء العالم، غير قادرة أن تقدم لها حقا لا تستأهله. بل هي تبارك كل حق تناله المرأة بجهدها، وعلمها، وإنتاجها الثقافي.

فإذا رغبت المرأة السعودية في مزيد من الحقوق والحداثة الاجتماعية، فعليها أن تتعلم، وتبادر. وما عليها إلا العمل ومزيد من العمل الإبداعي الخلاق في مجال التعليم خاصة، لزيادة عدد المتعلمات والمعلمات، وعدم الانتقال من مهنة التعليم إلى مهن أخرى أقل جهدا، وأكثر دخلا ماليا. وذلك هو التحدي الكبير. وقد كان نتيجة ذلك التعليم، أن تعلمت المرأة السعودية ما تيسر لها من التعليم، ووصلت إلى أعلى المناصب التخصصية. وكان حصيلة ذلك، ما تحقق لها، في مطلع عام 2013، الذي يمثله القرار الملكي الشجاع من خادم الحرمين الشريفين بتعيين ثلاثين امرأة متخصصة في مجلس الشورى، من بين آلاف النساء السعوديات المؤهلات لمثل هذه المناصب بعلمهن، وخبرتهن، وشجاعتهن، وإيمانهن بنهضة الوطن وضرورة دفعه دائما إلى الأمام متقدما، وحضاريا، ومزدهرا.

-4-

لقد فات على الكثيرين ملاحظة، أن المجتمع السعودي شبه ذكوري. علما أن المرأة تمثل أكثر من خمسين بالمئة من عدد السكان. والمرأة منذ نعومة أظافرها معزولة عن الرجل. وكانت مُكرّسة للعَلَف والخَلَف فقط. وهذا أدى إلى أن يصبح المجتمع كمجتمع ذكوري مقاوما للتغيير. فلم يكن في مجلس الشورى السعودي في الماضي القريب، وفي دوراته الأولى، امرأة واحدة تتحدث عن حقوق المرأة. وباعتراف بعض النساء السعوديات، فإن المرأة السعودية تعيش ضمن مجتمع تسوده أعراف، وعادات، وتقاليد، وهيمنة سلطة المجتمع الذكوري بالكامل، وذلك نتيجة للخلط القائم، والفهم الخاطئ، من قبل بعض المتشددين، لمبادئ الدين الإسلامي التي أعزّتَ المرأة وكرّمتها، وبين تلك الأعراف، والتقاليد، والعادات المجتمعية. وبذا، فإن تموضع المرأة السعودية الحالي، ناشئ عن القيم الاجتماعية، وليس عن القيم الدينية السمحة بالدرجة الأولى. ويؤكد الشيخ محمد تقي الدين في موقع (المسلم الحر) على الإنترنت، أن: "المجتمع الذكوري هو الذي ظلم المرأة لا الإسلام، وأن المرأة في ظل الإسلام محترمة ومكرّمة. وهذا يعني أنها الأولى والأخيرة في بناء جذور المجتمع الإسلامي. وعلى الرجل أن يُهيئ كافة الأسباب لإسعادها وخدمتها. وهي بنص القرآن الكريم أرفع مقاما من الرجل بدرجات، وأنها الطريق إلى الله. فالله لا يتقبل دعاء الأعزب".

وقيم المجتمع الذكوري فيما يخص المرأة، تتركز في حجب النساء ودونية الأنثى، التي لخصها الشاعر الفيلسوف أبو العلاء المعري بقوله:

"النساء حبال غي".

-5-

إن قيم المجتمع الذكوري في العالم العربي، مثار قلق الأوساط الغربية عموما. وأن قضية المرأة العربية، أصبحت اليوم تستأثر باهتمام المجتمع الدولي، لما تعانيه من عسف في المجالات الاجتماعية والسياسية، ومن دونية، وإقصاء. وهذا يعود إلى جذور تاريخية وأنظمة اجتماعية متعاقبة، كرّست تسلط المجتمع الذكوري، الذي لا يعترف بقيمة عمل المرأة بحجج كثيرة، وبذريعة الفوارق البيولوجية.

ولكن، وأخيرا، تعززت مكانة المرأة – عالميا- بصدور الاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة. ثم بانعقاد مؤتمرات دولية انطلاقا من مؤتمر نيروبي 1985، ووصولا إلى مؤتمر بكين 1995، الذي اعتمد إستراتيجية النهوض بالمرأة، والقضاء على كل أشكال التمييز القائمة على الجنس، والعِرق.