بالكاد يصدق الكتاب اليساريون في سورية أن "النظام المقاوم" الذي طالما كتبوا فيه المدائح المطولة، سينقض عليهم في نهاية المطاف، حين يستشعر منهم أدنى اعتراض على سياسته، فقد انتهى الأمر في سورية حتى منتصف مارس 2011 إلى أن النظام هو الوطن، والوطن هو النظام، وأن التخلي عن هذا النظام أو حتى انتقاده يعني التخلي عن الوطن.
وجاء مقتل الكاتب والباحث السياسي السوري محمد نمر المدني السبت الماضي "تحت التعذيب"، ليفتح من جديد ملف موقف المثقف السوري من الثورة، واسترجاع أسماء من سقطوا في ساحتها، من بينهم كتاب مثل مشعل التمو وإعلاميون وفنانون منهم التشكيلي وائل قسطون والشاعر أنس الشغري ولا يعرف مصير المفكر شبلي العيسمي أحد مؤسسي حزب البعث الذي اختطفه النظام السوري من بيروت، بينما يتحدث مراقبون عن عشرات المعتقلين والهاربين إلى خارج البلاد من الكتاب والمثقفين السوريين، الذين أعلنوا تأسيس رابطة للكتاب السوريين مستقلة عن النظام، يرأسها صادق جلال العظم.
السوريون لا يعرفون أين تقع حدود الدولة وأين تقع حدود الوطن وأين تقع حدود النظام، فهذه الحدود متداخلة بحيث لا يستطيع أي أحد، الوقوع في الخطيئة، وأية خطيئة مهما صغرت، سيعتبرها النظام خيانة وطنية، لذلك اخترع النظام بعد قيام الثورة قوانين جديدة منها أحد القوانين الأغرب في تاريخ القضاء وهو قانون يعاقب أي شـخص بتهمة إضعاف الشعور القومي، وهي التهمـة التي وجهـت للمفكر الفلسطيني السـوري سـلامة كيلة الذي كاد أن يموت تحت التعـذيب، لو لم تتدخـل جهات دولية لإنقاذه.
ما هو الشعور القومي، يسأل الكثير من السوريين، وحين تهكم الروائي إبراهيم الخريط ـ له 4 كتب منشورة ـ على هذا القانون اقتيد في الشهر التاسع من هذا العام مع ابنه إلى خارج المنزل وأعدما ميدانيا على مرأى ومسمع السكان.
تبدو الحادثة غريبة، أن يعدم إنسان مع ابنه من دون محاكمة من أجل كلمة قالها.
لكن هذه ليست هي المرة الأولى التي يصفي فيها النظام كتابا سوريين، فلم يرث بشار الأسد عن والده مقاليد الحكم فقط بل وأيضا أساليب الإعدام من دون محاكمات، ففي عام 1979 حين اشتد الصراع بين النظام والجماعات الإسلامية، خرج شاعر سوري عن صمته وهو شاعر علوي المذهب بعثي الانتماء إلى حد أنه سمى ابنته بعث، اسمه حسين الخير، فكتب قصيدة كما لو أنه كتبها اليوم يقول في بعض أبياتها:
كم قد سمعنا بهيئات تحاسبهم
لتسترد إلى الجمهور ما نهبوا
فما رأينا سوى قول بلا عمل
كم في تصرفهم من عجبة العجب
علا برتبته (لص) ورتبته من سوئه انخفـضت ولتخجل الرتب
بعد انتشار قصـيدته بين الشـبان اعتقل الشـاعر من أمام منزله في ذلك العام 1979 ولم يره أهله بعدها حيا أو ميـتا، إلا أن الأخبـار تسربت من بعض سـجناء آخرين بأنهم شهدوا إعـدامه وأن الأمـن قطع لسـانه قبـل الإعدام.