وقف الرئيس الإيراني في باحة الأزهر للمرة الأولى منذ قطع العلاقات بين القاهرة وطهران، وهو يلوح بشارة النصر، وخيرا فعل الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر أحمد الطيب حين لم يستقبله إلا على باب مكتبه، تاركا لمعاونيه مهمة استقباله على بوابة مشيخة الأزهر.

خلال اللقاء أمطر الطيب ضيفه الإيراني بأسئلة من العيار الثقيل مثل: لماذا تدعمون النظام السوري الذي يقتل شعبه الأعزل بأسلحة القتل التي لا تستخدم سوى في الحروب؟ وماذا فعلتم لحماية حقوق عرب الأهواز السنة في بلادكم؟ ثم اختتم فضيلة الإمام أسئلته لنجاد قائلا: "إذا أرادت إيران أن تكون هناك علاقات حقيقة بين مصر وإيران فيجب أن يتوقف شيوخ الدعوة بإيران عن سبّ صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم"، غير أن الرئيس الإيراني تهرب من كل هذه الأسئلة وراح يتحدث عن وحدة بين البلدين والمشروعات القادمة في المستقبل.

نعود لمشهد نجاد وهو يلوح بعلامة النصر لنسأل عن مغزى هذا التصرف، وعما يعنيه الانتصار، فهل انتصر مثلا على مصر ـ التي كانت قبل وصول جماعة الإخوان للحكم من أكثر الدول الإسلامية تشددًا ضد سلوك نظام الملالي ـ أم أنه يقصد بانتصاره على واشنطن التي أشك شخصيًا في أن هناك عداوة حقيقية بينها وبين طهران، وإلا فلماذا نسقت غزو العراق وفق مخطط اتضحت معالمه للجميع؟

لنذهب إلى أبعد من ذلك ونغوص في التاريخ، لنشير إلى البطل المسلم صلاح الدين الأيوبي الذي سقطت على يديه الدولة الفاطمية، وتحول الأزهر الجامع والجامعة منذ ذلك الحين إلى منارة لدراسة وتدريس العلوم الشرعية وفقا لمذاهب أهل السنة والجماعة، بالرغم من أنه أنشئ لغرض نشر المذهب الشيعي على يد جوهر الصقلي قائد المعز لدين الله أول الخلفاء الفاطميين بمصر، فهل كان يقصد نجاد انتصاره على صلاح الدين؟

دعونا من التاريخ والصراع المذهبي القائم منذ صدر الإسلام وسيظل حتى يقضي الله أمره، لننتقل للحاضر المرير ونرصد الحفاوة التي استقبل بها الرئيس المصري نظيره الإيراني، وكنت أتابع مشهد الأحضان والقبلات كأنني أرى كابوسا وراحت الأسئلة تتدافع في عقلي: لماذا هذه الحفاوة يا سيادة الرئيس وأنت الذي قلت أثناء حملتك الانتخابية إنك ترفض مقابلة القائم بالأعمال الإيراني في القاهرة حتى تغير طهران موقفها الداعم لنظام سورية وها أنت تقابل رئيس إيران وليس فقط القائم بالأعمال، فهل تغير موقف طهران، أم تغير موقف مرسي؟

إنها السياسة البراغماتية التي تصنع القرار في (مصر ـ الإخوان) و(إيران ـ الملالي) وفي كلا البلدين يقف خلف الكواليس (مرشد) هو الذي يحكم ويقرر، إذن دعونا نتساءل: ماذا يريد الإخوان من إيران؟ وماذا يريد ملالي طهران من مصر؟

الإجابة جاءت في سياق مقال كتبه قبل أعوام يوسف ندا مسؤول التنظيم الدولي للإخوان الذي ينتمي للرعيل الأول في الجماعة، ووصف فيه الخلاف مع إيران ونظام ولاية الفقيه بأنه "خلاف سياسي وليس عقديا"، وقبل ذلك سبقته تصريحات مهدي عاكف المرشد السابق لجماعة الإخوان، والتي عبر فيها عن عدم ممانعته للمد الشيعي في الدول العربية والسنية، معللاً ذلك بأنها "بلد واحد وسط أكثر من 56 دولة سنية"، على حد تعبيره.

مرة أخرى لا صلة للتقارب الإخواني ـ الإيراني بخلافات مذهبية، لكنها حسابات السياسة، فنظام الإخوان في مصر يريد أن يستخدم التقارب مع إيران في عدة جبهات.

نأتي للسؤال الثاني: ماذا تريد طهران من "مصر ـ الإخوان"؟ والجواب بالغ البساطة، فهي تريد استنساخ تجربتها مع سورية والكيانات الحركية مثل منظمة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، ومعها حركة حماس، وقبلهما "حزب الله" لتكمل ما سبق وأسماه وزير خارجية إيران "الهلال الإسلامي". الذي تلوح به للغرب وإسرائيل، على خلفية مشروعها النووي من جهة، ومن الأخرى القيام بدور (شرطي المنطقة) كما كان يفعل الشاه.

يبقى سؤال من مواطن مصري لرئيس بلاده: "السياسة (لعبة مصالح) وهناك ملايين العاملين المصريين في دول مجلس التعاون يعولون ملايين آخرين في مصر المأزومة اقتصاديا، فهل ستعوضنا إيران؟

وهناك استثمارات خليجية وسعودية في مصر تقدر بمئات المليارات في مصر بينما لا يوجد (محل بقالة) إيراني في مصر، فهل أعدت حساباتك في وضع لا يحتمل أنصاف المواقف، وإن كنا في الداخل نعاني ازدواجية الخطاب الإخواني الذي قسم مصر لفسطاطين، فهل تحتمل الأوضاع الإقليمية ومصالح مصر هذه المناورات والمؤامرات؟

سيادة الرئيس محمد مرسي: أرجوك احسبها جيدا، فلدينا ما يكفي من الأزمات.