وزير الخارجية الإيراني الدكتور علي صالحي، الذي تلقى تعليمه العالي في الغرب، قال إن إيران مستعدة لمناقشة الطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات النووية بين بلاده والمجتمع الدولي. صالحي، الذي يتحدث الإنجليزية والعربية بطلاقة، قال خلال وجوده في ميونيخ لحضور المؤتمر الأمني إن إيران مستعدة لمتابعة المحادثات النووية وإجراء حوار ثنائي محترم مع الولايات المتحدة. وكان جو بادين، نائب الرئيس الأميركي، قد أعلن خلال حضوره نفس المؤتمر أن الولايات المتحدة مستعدة للحوار مع إيران إذا كانت مستعدة لذلك.
هذه هي المرة الثانية خلال رئاسة أوباما تعرض فيها الولايات المتحدة على إيران الحوار. يبدو أن الأبواب كلها مفتوحة لإيران الآن، لكن إيران هي التي تجد صعوبة في الاستفادة من هذه الظروف. الدكتور صالحي كان أول مسؤول يرحب بعرض الولايات المتحدة للحوار لكن الجميع يعرفون، بما في ذلك صالحي نفسه، من يملك الكلمة الأخيرة. وزير الخارجية الإيراني قال بلباقة إن إيران قبلت عقد لقاء مع مجموعة دول 5+1 في 25 فبراير.
المحادثات النووية المتوقفة منذ حوالي 8 شهور قد تستمر إلى ما لا نهاية إذا لم توافق إيران على وقف تخصيب اليورانيوم. قرارات الأمم المتحدة طالبت إيران بوقف التخصيب تماما إلى حين استمرار المفاوضات، لكن من الصعب رؤية إيران تقبل بذلك. في أفضل الحالات، يتوقع العالم أن تستمر إيران بالتخصيب لدرجة 3% وتوقف التخصيب لدرجة 20% مقابل رفع العقوبات عن إيران.
الذريعة التي قد يستخدمها المرشد الأعلى للثورة للموافقة على وقف التخصيب لنسبة 20% هي الطلب الشعبي. تكاليف المعيشة المرتفعة تضغط على الإيرانيين كثيرا لدرجة تجعل الحياة مستحيلة تقريبا بالنسبة للبعض. الشعب يلوم كبار المسؤولين على التسبب بالعقوبات والاقتصاد السيئ بسبب السياسة النووية.
بعد موت الرئيس السابق لكوريا الشمالية، قرأت في إحدى الصحف أن ابنه، الرئيس الحالي، قدم عظام سمك مجمدة لشعب بيونج يانج إكراما لمثوى والده. بطريقة أو بأخرى، هذا ما يحدث للإيرانيين. بالطبع من المستحيل أن يصل الإيرانيون، بسبب الثروة النفطية، إلى نفس مستوى الفقر الذي يعاني منه الكوريون الشماليون، لكن الشعب يعاني بالتأكيد. ومن المسؤول عن ذلك؟ المرشد الأعلى وقادة الحرس الثوري الذين يستخدمون الإيرانيين كرهائن لتطوير أهدافهم الخاصة المتمثلة بالرغبة في قيادة العالم الإسلامي.
يوم الأحد الماضي، دهش الإيرانيون وهم يرون رئيسهم في داخل البرلمان. الوضع الداخلي في إيران والصراع على السلطة بين الفئات المختلفة لم يتركا مجالا للموجودين في البرلمان للتركيز على التطورات الخارجية. أحمدي نجاد، الذي حمل راية محاربة الفساد على مدى سنوات طويلة، قام فجأة بنشر شريط تم تسجيله سرا. إنها فضيحة جديدة للأخوين لاريجاني اللذين قاما ببسط نفوذهما بشكل أخطبوطي في جميع المؤسسات التي وصلت أيديهما إليها، واصطدما أكثر من مرة مع الرئيس نجاد.
في هذه المرة، كشف الرئيس نجاد عن محاولة أحد الأخوين لاريجاني رشوة أحد مساعدي أحمدي نجاد. أحد الأخوين لاريجاني، وهو رئيس السلك القضائي، سخر من الرئيس واتهمه بالكذب عندما قال إنه يعرف أسماء بعض الفاسدين. ولكن رغم الأداء الشجاع للرئيس الإيراني، إلا أن البرلمان نجح في سحب الثقة من أحد وزرائه وفصله من منصبه في الوزارة. مواقف الرئيس نجاد في التصدي للأخوين لاريجاني ولبعض كبار مؤيدي المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي كانت مدهشة في تاريخ الجمهورية الإسلامية.
إن الشعب الإيراني قلق بالتأكيد على مستقبله، ولذلك فإنهم مهتمون بالانتخابات القادمة التي ستجرى خلال أقل من خمسة أشهر. الرئيس أحمدي نجاد يهدد بالكشف عن الوجه الحقيقي لأي مسؤول كبير قبل نهاية فترة رئاسته، لكن المرشد الأعلى للثورة لا يوافق على ذلك ويشجع الرئيس والبرلمان على العمل معا والحفاظ على الهدوء. إذا استمرت هذه المواجهات بين الرئيس والبرلمان ووصلت إلى مستويات أعلى فلن يستطيع المحافظون أن يفوزوا في الانتخابات ببساطة وهدوء.
من الصعب معرفة كيفية سير الانتخابات الرئاسية في إيران لكن التوقعات تظهر أنها لن تكون كما يتمنى المرشد الأعلى. والبعض وصل به الأمر إلى حد توقع حدوث انقلاب ضد الرئيس نجاد قبل الانتخابات.
إن ما يشغل بال الإيرانيين أكثر من أي شيء آخر هو كيفية تدبير أمور حياتهم اليومية، فقد تعبوا من السياسة ومن الصراعات الداخلية والخارجية، لكنهم يجدون بعض المتعة وهم يشاهدون ما يحدث من وقائع واقعية مسلية. هناك برنامج تلفزيوني من تلفزيون الواقع اسمه (جوجوش أكاديمي). جوجوش مطرب مشهور يبث برنامجه من إنجلترا ويقدم للمشاهدين الإيرانيين ساعة من السعادة مرتين في الأسبوع. المتنافسون هم إيرانيون شباب يرغبون أن يصبحوا مطربين ويذهبون من إيران ومن كل مكان آخر إلى لندن للمشاركة في المنافسة. البرنامج يشبه البرنامج الأميركي (American Idol) وقد حقق نجاحا كبيرا. هذا البرنامج يجلب بعض الراحة للمشاهدين الذين تعبوا من متابعة الصراعات السياسية داخل إيران. بعبارة بسيطة، معظم الإيرانيين يحتاجون إلى استراحة تحقق لهم بعض السعادة بعيدا عن القلق ومتاعب الحياة اليومية.