لدى السعوديين سلاح مهم وحيوي لم يتنبهوا بعد لاستخدامه كما يجب.. إنه هيئة مكافحة الفساد. دعك من بعض ما يتناوله البعض بشأن الهيئة وجدواها، وما تحقق إلى الآن على الأرض، واتجه إلى النقطة الأبرز والأهم: من كان لديه اشتباه في حالة فساد مالي أو إداري فعليه أن يتجه إلى الهيئة، وله الحق في أن يحكم بعد ذلك.
في اللقاء الذي أجريته مع معالي رئيس هيئة مكافحة الفساد الأستاذ محمد الشريف، في حلقة سابقة من برنامج "صاحب قرار"، ومع وجود كثير من المحاور والأسئلة المهمة والملفات المطروحة على طاولة الرئيس والهيئة إلا أن واحدة من أبرز النقاط التي حملها اللقاء كانت كالتالي: الهيئة تعد المواطن مصدرا مهما من مصادرها، ومحركا أساسيا لكثير من التحركات التي تقوم بها أمام كثير من شبهات واحتمالات وحوادث الفساد.
ألح الرئيس كثيرا على هذه النقطة، مما يعين أن فكرة الشراكة بين الهيئة والمواطنين ليست مجرد مثالية وادعاء، بل هي شراكة لها تبعات وواجبات، سواء على الهيئة أو على المواطن، فالكثير من الجهات حين تعلن شراكتها مع المواطنين لا تقدم آلية واضحة لتفعيل تلك الشراكة، بينما الوضع يختلف في هيئة مكافحة الفساد، إذ إن كل بلاغ يتقدم به مواطن يتحول إلى ملف لدى الهيئة. الجانب الأبرز هنا أن المواطن ليس مجرد شريك في الإبلاغ، بل هو شريك في تقييم الهيئة أيضا، من خلال ما يراه من تفاعل مع بلاغه الذي قدمه، ومن خلال ما ينتهي إليه ذلك البلاغ.
سيسألك البعض: وما النتيجة لو قدمنا؟ هذا نوع من الأسئلة المحبطة التي لا مكان لها.. الصواب يقول: دعك من الاحتمالات واتجه للهيئة وقرر أنت على ضوء ما تقوم به الهيئة أمام بلاغك.
واحد من أبرز الإشكالات التي تعانيها بعض الوزارات وجود حالة من الانطباع السلبي العام لدى الجمهور.. هذا الانطباع لا يوجد له تفسير علمي، وربما أنه جزء عام من سيكيولوجية العلاقة بين الناس والمؤسسات العامة، ويحدث هذا في كثير من بلدان العالم، لكن المشكلة أن يكون هذا الانطباع قائما مع وجود آليات وخطوات يمكن للفرد أن يقوم بها، وبناء عليها يقرر: هل كان انطباعه في محله أم إنه بحاجة إلى تغيير.
بينما تنزعج بعض الوزارات مما قد ينشر في الصحافة عن إخفاقها في بعض المشروعات، أو تراجع خدماتها المقدمة لمواطنين، تتعامل هيئة مكافحة الفساد مع كل ما تنشره الصحافة على أنه بلاغ يقودها إلى التعامل مع القضية والتأكد مما ينشر.. هذه لحظة مهمة تحتم على الهيئة أن تواصل بناء شراكات حقيقية مع مختلف المؤسسات الإعلامية والصحفية. وفي كثير من بلدان العالم تقوم بعض الهيئات ذات الدور المجتمعي ببناء كوادر إعلامية خاصة يتم تدريبهم وتأهيلهم ليكونوا جزءا من منظومة العلاقة بين الهيئة وبين وسائل الإعلام.
هذه الخطوة بحاجة لتفعيل واقعي، يبدأ من قيام الهيئة برصد الصحفيين والإعلاميين الأكثر اهتماما بقضايا الفساد والخدمات العامة، ويتم إعداد برنامج واضح وداعم لتلك الكوادر الصحفية، وربطها بما تشتغل عليه الهيئة من ملفات وقضايا، وإعداد الصحفي القادر على التعامل المستمر مع تلك القضايا على مستوى الرصد والمتابعة ومعرفة انطباع الجمهور عن تلك الخدمات والمشروعات.
إن التعامل مع الهيئات والأجهزة الحكومية ذات الدور المجتمعي والتنموي من خلال الانطباعات العامة لن يخلق أية اتصال بين الناس وبين تلك الأجهزة. أول ما يجب علينا إدراكه أن هذه الهيئات إنما تعمل من أجلنا، وعلينا نحن أن نختبر مدى قدرتها على ذلك من خلال تفعيل دورنا الوطني كأفراد أولا.
إن لدينا سلطة من خلال الهيئة لمجابهة كل تقصير أو إخلال أو تراجع في مستوى الخدمات.. الانطباعات السلبية المسبقة هي التي تعطل استفادتنا من تلك السلطة.