من ثلاث مدن، لثلاث مناطق سعودية مختلفة، قضيت مساء ما قبل البارحة في حوار صاخب خرجنا منه بالسؤال المشترك من مجموع الألسنة: لماذا لا يستمعون إلينا؟
وهم بالطبع يقصدون الآذان الصماء لفئام واسعة من قطاع المسؤولين التنفيذيين بالإدارات الحكومية بهذه المناطق.. أمين المنطقة الذي استمرأ الاستعلاء والطرد رغم كل ناصح إليه يقول له بالحرف إنه يعدم المستقبل الجمالي لهذه المدينة، وإن ثلث هذه المدينة بالكامل بلا (أمين) حقيقي، وبلا بلاطة واحدة للخدمات البلدية منذ خمس عشرة سنة.. هم يقصدون صاحب المعالي، مدير الجامعة، الذي حول الجامعة في منطقتهم إلى مجرد قطعة أرض بأطراف المدينة، ولا دخل لأهلها ولا لأبنائها في مناصبها الإدارية المختلفة، مثلما هم أيضاً أقليات بأدنى نسب القبول في الكليات النوعية، وعلى رأسها الطب والهندسة.. هم يقولون إن الحصول على وظيفة (معيد) بالجامعة لأهل المكان، ليس إلا وهما من الخيال، رغم أن الضامن المعلن عبثا في الترشيح ليس إلا الكفاءة والمعدل وبطاقة الهوية الوطنية.. هم يقصدون مديري التعليم في محافظات مناطقهم المختلفة الذين يختذلون معادلة الترشح للوظائف الإدارية في قطاع التعليم داخل أجندة سرية، رغم أن الضامن العلني، مرة أخرى، هو معيار الكفاءة وبطاقة الهوية.
سأقول اليوم على مسؤوليتي الخاصة إن خللاً ثانوياً في شخصية مسؤول ثانوي شارد قد يقتل من حيث لا ندري محبة وولاء قطاع واسع من هذه الأجيال لهذا الوطن. هذه الأجيال تدرس جمل الوطن والحب على مقاعد الابتدائية، ولكنها حين تصل للجامعة ومن ثم للوظيفة ترى الحقيقة الناصعة أن قطاعاً واسعاً من هؤلاء المسؤولين ليس إلا ستارة وردية حمراء تقفل خشبة المسرح أمام هذا الجمهور المتألق.
نحن في النهاية نطرح السؤال الذي لم يقله هؤلاء الشباب باللسان، ولكنه مطروح في العين والقلب: لماذا يكرهوننا؟ ذات السؤال هو الجواب على السؤال بعاليه: لماذا لا يستمعون إلينا؟ هؤلاء المسؤولون هم الستارة الثقيلة التي تصادر عطاءات هذا الوطن الكريم لأهله. هو الوطن الذي أعطى بلدية مدينتي ثلاثة مليارات من الميزانية، ومع هذا مازلت أعيش في شارع مظلم، وفي حي كامل أتحدى بالبراهين أنه كان لساعة في أجندة البلدية. هو من أعطى نصف مليار لفواتير العلاج في منطقة أحد هؤلاء الشباب ثم يقسم لي إنه (هرب) بعلاج قلب أمه من صيدلية خاصة. هو من أعطى أعلى ميزانية بهذه الأرض للتعليم (بحساب الناتج المحلي) ومازال ملايين الأطفال يذهبون لمدارسهم إلى علب من (سردين) الكراهية.