كان هذا عنوان الإعلان الذي قامت بتنزيله إحدى الشركات المتخصصة في تصميم الهوية التجارية للشركات والمحلات التجارية والإعلانات ومقرها الرياض، لتطلب موظفين سعوديين مبدعين للعمل في إدارة العملاء، وتظهر في الإعلان صورة لشاب يرتدي الثوب السعودي ويحمل هاتفه المحمول بيد، وشماغه وعقاله في اليد الأخرى، في حين يغطي قناع إحدى شخصيات الخيال والإثارة (باور راينجرز) رأسه ووجهه! في إشارة إلى أنهم يبحثون عن موظف خارق للعادة ومتعدد المواهب والقدرات لهذه الوظيفة المميزة. وهذا الإعلان هو واحد من أكثر الإعلانات الوظيفية التي اطلعت عليها إبداعاً، سواء في السعودية أو خارجها.

ميزته أنه نجح في إنشاء علاقة خاصة بينه والباحث عن عمل، فبعكس الإعلانات الأخرى التي تحاول أن تصور نفسها وكأنها الجنة الموعودة للشباب بذكر الإغراءات المتعددة التي سينالها من يتوظف لديهم، وتبدو وكأنها تقول إن من حسن حظ هؤلاء أنها ستتكرم بتوظيفهم لديها، فقد قلب هذا الإعلان المعادلة. فهو جعل التميز من صفات هذا الشخص الذي سيتقدم للعمل لديهم، وهنا إشارة تدل إلى تقدير الشركة لموظفيها ومهاراتهم، كما يوضح أن هذا العمل ليس تافهاً ولا بسيطاً، بل قد تكون فيه تحديات وإثارة، بحيث لا يستحق أن يتولاها سوى بطل.

وهذه البطولة لا تحددها مبدئياً -بحسب الإعلان- سنوات الخبرة الطويلة التي يتم تعقيد الخريجين بها، ولا أن تكون ملماً بحزمة من البرامج المكتبية التي قد لا يتطلب عملك إلا واحدا أو اثنين منها (قد يتم السؤال عنها في وقت لاحق، لكن مبدئياً ما يهمهم هو شخصيتك)، ولا اشتراط شهادة من دولة بعينها. فهم لا يغلقونها في وجهك منذ البداية، بل يقولون لك نحن نريد شخصاً مميزاً وغير عادي، ويترك لك الخيار لتسأل نفسك عما إذا كنت هذا الشخص فعلاً، ومن ثم كيف تستطيع أن تقدم نفسك بحيث تقنعهم أنك البطل المنشود. وحين تنتقل إلى موقعهم الإلكتروني ستجد تفصيلات أكثر عن مهام الوظيفة. ولعل انتقادي الوحيد لموقع الشركة هو أنه مصمم بالكامل باللغة الإنجليزية، وهذا ما لا ينبغي أن يكون عليه الحال لموقع أي شركة، حتى لو كانت معظم تعاملاتها بها، فالسوق المستهدفة في النهاية، كعملاء وموظفين، هي السوق السعودية، ولغة المملكة "العربية" السعودية الرسمية ما زالت العربية ويجب أن تبقى كذلك.

وعلى الرغم من أنني لا أعرف الكثير عن هذه الشركة، إلا أن مجرد رؤيتي للإعلان يجعلني أتخيل موظفيها ومكاتبهم العصرية، فهذه فكرة جديدة، وغير مسبوقة في إعلاناتنا المطبوعة، وبالتالي أتصور أن وراءها شبابا طموحا وصاحب أفكار إبداعية، بحيث لم ينتظروا وظيفة رتيبة بساعات عمل محددة، حكومية كانت أو في القطاع الخاص، وإنما بادروا بإنشاء عالمهم المتميز، حيث يمارسون فيها هوايتهم التي باتت أيضاً مصدر رزقهم.

قد يتساءل البعض عن السبب الذي يجعلني أسلط الضوء على شركة ناشئة، والجواب بسيط، ففي ظل أزمة البطالة التي ما زالت تهدد الشباب، ومع المتغيرات التي جلبتها ثورة الاتصالات، والانفتاح على الخارج، وبرنامج الابتعاث، فإننا بحاجة إلى مزيد من هذه الشركات، وإلى تبني الثقافة التي تفكر بطريقة عصرية من قبل الشركات الكبرى، ليس فقط فيما يتعلق بطريقتها في الدعاية، وإنما في قوانين العمل أيضاً، إذا أرادت استقطاب الشباب الأكثر كفاءة وإبداعاً.

إذ عليها أن تتعامل معهم بلغة اليوم، وهو ما بدأت تتنبه له كبرى شركات العالم حين لاحظت تسرب كثير من موظفيها النابهين من الشباب، وعندما بحثوا عن الأسباب وجدوا أن من بينها ساعات الدوام التقليدية من التاسعة وحتى الخامسة، وإلزامية الحضور اليومي، في حين أن كثيرا من الشباب تعمل ساعته البيولوجية بطريقة مختلفة، فبعض المبرمجين أو المحاسبين أو المصممين لا يستطيعون إلا العمل ليلاً أو في ساعات الصباح الأولى، في حين لا تعمل خلاياهم الإبداعية على ما يبدو خلال فترة النهار، ويفضل بعضهم العمل وحيداً ووسط عزلة تامة، ولا تساعدهم أجواء المكاتب الصاخبة قياساً بمكاتبهم المنزلية. ولأجل ذلك بدأت بعض الشركات في تغيير طريقة تعاملها مع هؤلاء، فصارت تتعامل معهم على أساس جودة الإنتاج ودرجة الإنجاز بدلاً من تقييدهم بساعات العمل الطويلة ، فالمهم أن ينتهي العمل المناط بهم في الوقت المحدد، وسواء أنجزوه في ساعتين أو ثمان فهذا ليس مهماً. وأصبحت تتيح لبعض العمل من منازلهم سواء أوقات الدوام أو خارجه، على شرط أن يبقوا على اتصال دائم بزملائهم في المكتب عبر برامج المحادثة والبريد الإلكتروني والهاتف الخاصة بالشركة. كما تعمد إلى تقديم مزايا تنافسية لهم خاصة بالعطل والعلاوات والتدريب وغيرها، وتتباهى الشركات الكبرى في أوروبا مثلاً بمراعاتها للشابات في سن الإنجاب والأمهات، بحيث تتم مراعاة احتياجاتهن الصحية والأسرية عبر عقود بدوام جزئي مثلاً، أو العمل عن بعد، أو ساعات عمل مرنة، بحسب ظروف كل أسرة.

كثيراً ما ننظر إلى قضية البطالة أو توظيف الخريجين على أن حلها يكمن في إيجاد وظيفة لهذا الشاب أو الفتاة و"السلام" كما نقول بالعامية، ونتيجة ذلك بطالة مقنعة حيث يعمل الشباب في وظائف لا يحبونها ولا تحبهم، ويأخذون عليها رواتب دون إنتاجية حقيقية لاسيما في القطاع الحكومي، في حين يتم تجاهل إنشاء بيئة عمل محفزة تسمح للشاب أو الفتاة باستخدام ملكاتهم، والاستفادة من قدراتهم، ومن ثم النمو والتطور للانتقال إلى مرتبة أعلى ووظيفة أفضل. وحين يكون لديك موظفون سعداء يقبلون على أعمالهم، ويؤدونها برغبة، فلك أن تتخيل شكل الناتج النهائي، وكيف سينعكس ذلك ليس على أرباح الشركة ومستواها فحسب وإنما على الوطن ككل، فهل نشاهد مزيدا من الشركات والمبادرات التجارية التي تفكر وتعمل خارج الصندوق؟