جريمة قتل الطفلة السعودية تالا على يد العاملة المنزلية الإندونيسية، أعادت إلى الأذهان القصص المروعة لسجل العاملات المنزليات في الخليج والسعودية بشكل خاص، وطرحت تساؤلات جديدة - قديمة عن الدوافع الخفية التي ظل خبراء القانون وعلم الاجتماع يبحثون عنها لسنوات دون التمكن من سبر أغوار سبب "إقدام عاملة منزلية على قتل طفلة بريئة احتوتها بالحب والعاطفة حتى باتت أكثر قرباً لها من أمها".

هذه القضية التي يكتنفها الغموض والتعقيد في آن، أعادت إحياء المطالبات الرامية بإلزام الدول المصدرة للعمالة بتقديم صحيفة السوابق كأحد الإجراءات التي يجب أن تفرض على عمالة تلك الدول.

"الوطن" طرحت القضية التي لم تنته فصولها ولم يسدل الستار على مسرحها ولا تزال علامات استفهام كثيرة عن مثل هذه الجرائم تنتظر الإجابة، وذلك في محاولة لطرق أبواب رجال القانون والمجتمع للبحث عن الدوافع وراء الجريمة وكذلك إيجاد بعض الحلول لها، بعدما فجع المجتمع السعودي خلال الأيام الفائتة بجريمة نحر العاملة الأندونيسية الطفلة تالا بلا ذنب أو جريرة.




صحيفة السوابق


المحامي والمستشار القانوني بخيت أحمد آل غباش، كانت له دعوة لإحياء "صحيفة السوابق" لكنها لم تجد حتى الآن طريقها إلى التطبيق. وقال لـ"الوطن" إن "المطالبة بصحيفة سوابق للعامل أو العاملة أمر ممكن قبل استقدامه، طالما أن عمالة المنازل ومن في حكمهم كالسائقين، لهم احتكاك مباشر مع أسرة صاحب العمل الذي من الطبيعي جداً أن يشترط في كل من يعمل معه وتحت إشرافه أن يقدم ما يثبت خلو سجله من أية سوابق إجرامية". وأضاف: "يمكن أن يتم ذلك من خلال القنصليات السعودية في البلدان التي تُستقدم منها العمالة بحيث تضمن شروط قبول أوراق العامل أو العاملة لدى القنصلية ومنح التأشيرة بشرط خاص بشهادة خلو سوابق صادرة من الجهات الأمنية المختصة في تلك البلدان، على أن يزود صاحب العمل بنسخة منها"، معرباً عن أمله بأن "تتضمن لائحة خدم المنازل والتي ينتظر صدورها من مدة طويلة نصوصاً ملزمة للجهات ذات العلاقة".







محاكم متخصصة


وقلل المستشار القانوني من دعوات بعض الدول التي اشترطت على الرياض إنشاء محاكم متخصصة للقضايا العمالية. وقال إن القضاء السعودي قرر إنشاء محاكم متخصصة منها المحاكم العمالية، قبل مطالبة بعض الدول بإنشائها للفصل في نزاعات عمالتها داخل المملكة وذلك بموجب المرسوم الملكي الرقم م / 78وتاريخ 19/ 9/ 1428، موضحاً أن المحاكم المتخصصة من شأنها الحد من تراكمات الخلافات بين طرفي العلاقة التعاقدية، وداعياً إلى أن ترى تلك المحاكم النور في القريب العاجل والتي مر أكثر من 5 سنوات على إقرار نظامها.




عوامل مؤثرة


وتقول خبيرة علم الاجتماعي الجنائي الدكتورة غادة الطريف إن "هناك مجموعة من العوامل تؤثر في جرائم المرأة وتغذية السلوك العدواني لها، إضافة إلى الظروف المحيطة التي تدفعها لارتكاب الجرائم، منها عوامل بيولوجية إذ درس العلماء التطور الفسيولوجي للمرأة ووجدوا أن التغيير الفسيولوجي يؤثر في سلوكها بصفة عامة باختلاف نوعية الجرائم. وعوامل اجتماعية يجب التركيز عليها لأنها تؤدي دوراً مهماً في حجم ونوعية الجرائم التي ترتكبها المرأة أحياناً، إذ تكون القيود الاجتماعية التي تفرض على المرأة من خلال منعها من الاستقلال أو فرض الحماية عليها أو تحمل إعالة أسرتها والإنفاق عليها كلها أمور تدفعها للجريمة، إضافة إلى صعوبة التكيف في المجتمعات التي قدمت إليها، يصيب الخادمة بالصدمة بمجرد قدومها".

وتضيف أن "بعض الخادمات يتكيف بسهولة مع المجتمع بحسب شخصيتها وتتعايش مع الأسرة وتبقى سنوات طويلة، في حين أن بعضهن الآخر يشعرن أن هذه العادات والتقاليد تحد من حريتها وتشعر بالاغتراب والكآبة وأن حريتها سلبت وتطلب السفر والعودة لبلادها باستمرار وهي عوامل نفسية يجب أن تؤخذ بالاعتبار". وتابعت: "لطالما طالبنا بتوضيح الوضع للخادمات قبل قدومهن للسعودية وإعطائهن فكرة عن وضع المجتمع .. الدين والعادات والتقاليد حتى تتمكن من تقبل المجتمع الذي ستعيش فيه وتكوِّن فكرة وتتهيأ نفسياً".




ضريبة التحضر


وتبين الدكتورة الطريف أن "الجرائم عادة تكثر في المجتمعات الحضارية والمدن الكبرى وأن هناك سهولة كبيرة في هروب الخادمات، إذ إن أعداداً كبيرة من الخدم يعيشن سنوات عدة هاربات حتى تستطيع تكوين ثروة بحسب الأنشطة التي تمارسها سواء كان عملاً في المنزل برواتب مرتفعة أو انحرافية أو إجرامية من سرقة أو دعارة وخلافه دون أن يعلم كفيلها شيئاً عنها. كما أن هناك عاملات منزليات يقدمن إلى المملكة بحثاً عن الثراء وتحقيق آمالهن وطموحاتهن خلال سنوات عملهن هنا، وقد تكون السرقة دافعاً لارتكاب أي منهن لأي جريمة لأن الظروف المادية والضغوط الاقتصادية هي الأساس التي دفعتها للبحث عن العمل بغض النظر عن الوسيلة، بل إن الغاية لديهن تبرر الوسيلة".




الفحص النفسي


وشددت خبيرة علم الاجتماع الجنائي على "ضرورة إخضاع الخادمات إلى فحص نفسي إلى جانب الفحص الطبي"، مشيرة إلى أن "بعض العلماء أرجعوا إجرام المرأة لتقليدها لسلوكيات الآخرين في بيئتها وأن العاملة القادمة لا أحد يمكن التعرف على خلفيتها النفسية ومدى صحتها ولا تجرى عليها اختبارات التأكد من صحتها النفسية رغم أن ذلك لا يقل أهمية عن اختبارات الصحة الأخرى في ظل هذه الظروف والمؤثرات". وأوضحت أن العاملة تجد عند الأسرة التي تعمل لديها متطلبات عدة قد لا تكون مستعدة نفسيا لها مما يسبب لها اضطراباً نفسياً شديدا، إلى جانب قلقها وخوفها من المجتمع وبعدها عن أسرتها كلها عوامل تدفعها للجريمة"، داعية الأسر إلى "عرض الخادمة على الطب النفسي للتأكد من سلامة صحتها النفسية". وطالبت مكاتب الاستقدام بـ "إعطاء دورات توعية في قانون البلد والأنظمة وطبيعة المجتمع بحيث تكون رادعاً لها، إضافة إلى ضرورة خلو سجل العاملة من الجريمة ومرفق معها شهادة حسن سيرة وسلوك لها".


* أبرز جرائم العاملات المنزليات


• الطفلة تالا تلقى حتفها نحرا على يد عاملة أندويسية في ينبع.

• في رفحاء.. عاملة آسيوية تلقي بنفسها من سيارة كفيلها للهروب.

• عاملة أفريقية تسرق 50 ألف ريال من منزل كفيلها بحائل.

• آسيوية في مكة تسرق 100 ألف ريال ومجوهرات بقيمة 60 ألفاً.

• عاملة آسيوية تعذب طفلا لم يتجاوز الـ3 سنوات بمحافظة الطائف.

• عاملة أفريقة تحرق ولديّ كفيلها في حائل بسكب الماء الساخن عليهما أثناء نومهما.

• أثيوبية تعتدي على ربة منزل برفحاء مستهدفة رأسها بآلة حادة.

• عاملة آسيوية تضع مولوداً فيما يعتقد أنها حالة "سفاح" بالخفجي.

• في حفر الباطن.. أثيوبية تجهز على طفلة بعمر 3 سنوات بتسديد طعنات لها.

• عاملة تسرق 100 ألف ريال من مكفولها بمكة.

• عاملة أفريقية تضرب زوجة كفيلها بمطرقة على رأسها.

• عاملة فلبينية تقتل جنينها بعد ولادته في سطح منزل كفيلها بالبكيرية.

• في أبي عريش سهلت عاملة أندونيسية مهمة مخالف عربي لسرقة منزل كفيلها.

• عاملة تضع المبيد الحشري في حليب طفل مكفولها الرضيع.

• عاملة آسيوية تسرق 45 ألف ريال من منزل كفيلها بعرعر.




.. ومواطنون يراقبون منازلهم بكاميرات


الرياض: محمد السليمي


شرع عدد من السعوديين وزوجاتهم بتركيب "كاميرات" مراقبة لمتابعة الخادمات أثناء تواجد الأبوين خارج المنزل. وكشف مدير إحدى الشركات الدولية المتخصصة في أنظمة المراقبة المهندس خالد مازي، عن إقبال السعوديين على شراء كاميرات مراقبة بهدف رصد أعمال الخادمات في حال الخروج من المنزل، مبيناً أن نحو 40% من السعوديات ممن يعملن في وظائف تبعدهن عن أبنائهن زاد إقبالهن على اقتناء تلك الكاميرات ويطلبن من عامل التركيب "التقني" وضعها في أماكن خفية بالمنزل، مشيراً إلى أن أغلب الأماكن تكون في غرفة الأطفال والمطبخ وغرفة المعيشة للأسرة.

وقال مازي لـ"الوطن": "مع الجرائم الأخيرة التي أصبحت ترتكبها العمالة في حق مكفوليها من قضايا وحوادث "بشعة" يكون ضحاياها الأطفال، انتهج العديد من السعوديين سياسة المراقبة عن بعد بحيث يستطيع الأب أو الأم متابعة ما يحدث في المنزل عن طريق الهاتف الجوال أو جهاز الكمبيوتر عبر الإنترنت"، مشيرا إلى أن "تقنية المراقبة تحد في أحيان كثيرة من ارتكاب الخادمات جرائم عديدة في ظل غياب أرباب الأسر عن المنزل".

وأيّد كثير من أرباب المنازل فكرة المراقبة عن بعد، ومن خلال استطلاع أجرته "الوطن" أوضحت إحدى السيدات أم خالد، أنها انتهجت طريقة المراقبة بالكاميرات منذ 3 سنوات، مبينة أن وظيفتها "معلمة" تحتم بقاءها خارج المنزل منذ السادسة صباحا حتى الثانية بعد الظهر لبعد المدرسة التي تعمل فيها.

وأشارت السيدة أم أحمد وتعمل في إحدى البنوك، إلى أنها وضعت في منزلها 3 كاميرات مراقبة تربط عن طريق الهاتف النقال، مبينة أنها وضعتها في أماكن خفية في غرفة الأطفال والمعيشة والمطبخ، وأكدت أنها في كثير من المرات تلاحظ الخادمة لا تفي بواجباتها تجاه المنزل ولا تقوم بأي مهمة أثناء مكوثها خارج المنزل.

وفي ذات السياق، بين رب الأسرة علي المالكي أنه وضع كاميرات في منزله وأخبر الخادمة بأماكنها لكي تعلم أنها مراقبة طوال فترات النهار، مشيراً إلى أنه وعدها بحوافز مالية إذا أتقنت أعمالها المناطة بها وقامت بأدائها على أكمل وجه. وقال إنه زرع الثقة في عاملاته منذ سنوات بهذه الطريقة التي أسماها "لا ضرر ولا ضرار"، مبينا أنه في أسوأ الحالات سيكون الشريط التسجيلي للمراقبة دليلا قويا على الخادمة إذا مارست إي جريمة.