قبل انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، كان العالم منقسما إلى ثلاثة تصنيفات: العالم الأول الذي يضم قطب الدول الرأسمالية المتحالفة مع أميركا، والعالم الثاني المكون من قطب الدول الشيوعية الموالية للاتحاد السوفيتي، والعالم الثالث المشكل من مجموعة دول عدم الانحياز التي لم تتحالف مع أيٍّ من القطبين. وبعد شيوع مفهوم العولمة في عام 1995، التغى تصنيف العالم الثاني لاندثار القطب الشيوعي، وحصلت الدول المتقدمة على تصنيف العالم الأول، بينما خضعت الدول النامية لتصنيف العالم الثالث بعد دمجها بقائمة الدول الأقل نموا.
للأسف الشديد ما زالت الدول العربية والإسلامية تقع في تصنيف العالم الثالث، وذلك على الرغم من احتواء العالم الإسلامي على 67% من ثروات الأرض و63% من إجمالي الاحتياطي العالمي للنفط، و16% من حقول المراعي، و11% من إجمالي الثروة الخشبية، و24% من المنجنيز، و56% من القصدير، و23% من الحديد والألمنيوم، و41% من النحاس، و15% من القمح، و80% من المطاط، و43% من القطن، و93% من التمور.
أما الدول المتقدمة، التي لا تشكل سوى 23% من مجموع سكان المعمورة، ولا تمتلك سوى 20% من ثروات العالم الطبيعية، أصبحت تتربع عرش العالم الأول؛ لأنها تسيطر على 84% من الدخل العالمي و89% من التجارة الدولية و90% من حركة رؤوس الأموال و93% من الاتصالات وتقنية المعلومات و97% من براءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية. ورغما عن أن دول العالم الأول لا تزيد عن 32 دولة من إجمالي دول قريتنا الكونية البالغ عددها 203 دول، إلا أنها تستهلك 78% من الإنتاج العالمي للطاقة و88% من الألمنيوم والحديد والبتروكيماويات و96% من اليورانيوم، وتنتج 67% من الغذاء العالمي و82% من الأدوية و87% من السيارات والمركبات و97% من الطائرات المدنية.
لدعم مسيرتها التنموية، لجأت الدول المتقدمة إلى تكوين تحالفاتها الاقتصادية، وتكتلاتها التجارية لتحقق أعلى المستويات في مختلف المجالات العلمية والتقنية والمعرفية والاقتصادية، وأصبحت قادرة على تغطية كل احتياجات شعوبها الضرورية والكمالية، فاكتسبت بجدارة صفة العالم الأول. أما الدول النامية والأقل نموا فلقد آثرت الانخراط في دهاليز السياسة، التي شتت أهدافها الاقتصادية، وأحبطت مساعيها التنموية، فتلاشت قدراتها الذاتية، وفشلت في استغلال ثرواتها والاستفادة من إمكاناتها، مما أدى إلى تراجع اقتصادياتها وتدهور إمكاناتها المعرفية والتقنية وأصبحت تعيش عصور التبعية في مختلف المجالات، لتستحق تصنيفها بالعالم الثالث.
في العالم الأول لجأت الدول المتقدمة إلى تنفيذ سياساتها المالية والنقدية، من خلال تحديد أسعار الفائدة، وتوفير الملاءة المالية لتدفقات الاستثمار، وتحصين أسواقها من سلبيات التعاملات المصرفية. ونجح العالم الأول في تسخير مقومات الناتج المحلي الإجمالي لقياس اقتصاد الدولة ومن خلال رفع إنتاجية السلع والخدمات، وإصدار مؤشر أسعار المستهلك لمتابعة المتغيرات في مستوى أسعار التجزئة لسلة مشترياته الأساسية وتفادي التضخم. ولجأت دول العالم الأول لاستخدام مؤشرات قطاع العمالة، الذي يعكس سلامة اقتصاد الدولة، ومعرفة عدد الوظائف المحدثة الجديدة التي أُنشئت أو فُقدت، كما أصدرت مؤشرا لمبيعات التجزئة على أساس شهري للتأكد من قوة إنفاق المستهلكين ومتانة الاقتصاد، وراقبت ميزان المدفوعات الذي يوضح المجموع الكلي لعمليات تجارتها الخارجية، وتوازنها بين التصدير والاستيراد والنفقات.
ولم تبخل دول العالم في إنفاقها على البحث العلمي وتنويع مصادره، فوصلت نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي إلى 2,7% في سويسرا واليابان و3% في أميركا والسويد وفرنسا وارتفعت في إسرائيل إلى 4,7%، لتفوق نسبة الإنفاق الحكومي على البحوث داخل الجامعات الإسرائيلية 31%، بينما يصرف القطاع الخاص ما نسبته 52? من الإنفاق العام على الأبحاث والتطوير. في العام الماضي احتلت إسرائيل المركز الثالث في العالم في صناعة تقنية المعلومات، والمركز 15 بين دول العالم الأول في الأبحاث والاختراعات. في المقابل انخفضت نسبة الإنفاق على البحث العلمي من إجمالي الناتج المحلي إلى 0,7%.
وفي الكفاءة الإنتاجية الصناعية، التي تعتمد على عدد ساعات العمل الفعلية، ومستوى كوادر العمالة الفنية وقدرتها على زيادة القيمة المضافة المحلية، فلقد ارتفعت إلى 65% في دول العالم الأول بينما انخفضت دون 40% في الدول النامية و14% في الدول العربية. لذا نجد أن نسبة مساهمة الصناعة في الدخل الوطني ترتفع إلى 40% في دول العالم الأول، بينما تنخفض إلى 23% في الدول النامية و15% في الدول العربية. ويتفاقم وضع دول العالم الثالث بغياب القطاع الخاص عن المساهمة في البحث العلمي، إذ لا يزيد عن 3% في الدول النامية و1% في الدول العربية، بينما ترتفع هذه النسبة إلى 70% في اليابان و52% في إسرائيل وأميركا.
وعلى الرغم من أن مساهمة الدخل الصناعي لبعض الدول العربية، ترتفع بنسب عالية من إجمالى الناتج المحلى، لتفوق 55% في السعودية و54% في قطر و49% في الإمارات، لاعتمادها على تكرير البترول وتصدير مشتقاته، والتوسع في صناعته البتروكيماوية والاستثمار في منشآته، إلا أن مساهمة هذا القطاع في احتواء العمالة وتوطينها تعد متواضعة، إذ لا تتعدى 11% في السعودية و7% في قطر و3% في الإمارات.
للانتقال من العالم الثالث إلى العالم الأول، نحتاج إلى تنويع قاعدتنا الاقتصادية، ورفع مستوى صناعاتنا وخدماتنا الإنتاجية، وتوفير مقومات التقنية المعرفية، من خلال استخدام ثرواتنا الطبيعية وإمكاناتنا المادية الاستخدام الأمثل.