الربيع العربي "فركش" أشياء كثيرة، وفي سورية كان "التشبيح" مهمة متعددة المستويات نفذها أشخاص بمختلف التخصصات منهم نجدت أنزور. صحيح أنه لم يكن يقطع الطريق ويسلب المارة لكنه قريب من ذلك، فأنزور منشور رواج وتبشير حزبي بالـ"مشرمح"، أعماله محكومة بالأوهام والتفاهات التي وظفها "البعث" في معاركه المتعددة والمتنوعة، "إخوة التراب" وسواه تجسيد صارخ. أما السلسلة التي استخدم فيها الفانتازيا التاريخية وغيرها فكانت وعظا حزبيا ضيقا ينفث رسائله البائخة على الشاشة الفضية التي ملت ألاعيبه البصرية، لكنها استنزفت جيوب المنتجين لتبوء في النهاية بفشل يليق بها، ولنتذكر أن أهم شرط لأعماله احتواؤها ميزانيات مفتوحة.
اليوم يسقط القناع عن وجهه ويقف في العراء الدرامي والفني والإنساني وحيدا، يحاول "العجل" الذي صنعته أموال "السامري" التهامنا.. أصبحت اللعبة مفتوحة على كل احتمال، يشعر أنزور فيها كيانا وفكرا وانتماء بالتفسخ، ينحاز للضيق والعصبة والطائفة، ينسى إنسانية الفن وبهجة الحياة، أعرف أن مثل تلك القيم بعيدة عن ذهنية مثله أشاعت الدم في الدراما ومجدت الديكتاتورية على الشاشة، وعنونت البطش، وبررت التسلط، وسوقت مفاهيم الغضب والثأر والذوات المأزومة، وانتصرت للظلم، وحيدت الحقيقة، لكن إعادة التذكير بها يمنعنا من الوقوع في مصائد أخرى ربما تكون مستقبلا، غابت اللمسة الإنسانية تماما عن كل أعمال أنزور، فلا وجود للعاطفة والحب والبراءة، هل تتذكرون قصة حب يتيمة في كل ما صنع الرجل.. كان يجلدنا بحزمة اضطرابات نفسية وعقد شعورية ويقودنا من حيث لا نعلم كمشاهدين إلى مصيدة رؤيته المعقدة للأشياء، لكن مشيئة الله تعيد الأشياء إلى أصولها وتفضح كل المواقف والتناقضات والالتفافات على ذكاء الناس ووعيهم، ترحل إلى غير عودة حقبة الوهم والكذب والدجل والبطش والزيف التي كان أنزور إحدى مكائنها، تتعطل دجاجة أنزور التي باضت طويلا ذهبا لديك "الممانعة".. تذهب غير مأسوف عليها ولا عليه.