وكأي سعودي، وعلى عادته، كان لا بد أن أضع دمغتي على أديم هذه المدينة وأنا أغادرها صباح الأمس عائدا إلى أديم هذا الوطن. حادث سير بسيط خرجنا منه ولله الحمد بالسلامة. لكن خلاصة التجربة تستحق التأمل للمقارنة. كيف حضر البوليس في سيارة فارهة تستحق أن تكون لرجل الأمن، وكيف كانت حركاته وهندامه وكأنه داخل لطابور العرض. كيف وصلت سيارة الإسعاف في أقل من ثلاث دقائق وكيف أقفلوا لها الشارع المعاكس كي تختصر المسافة، وكيف توقف لها العشرات كي تعبر بسلاسة. كيف كان طاقم الإسعاف مهنيا حتى وهو يصر على توقيعنا على انصرافه وتأكيده أننا لسنا في حاجة إليه. كيف أجابت شركة تأجير السيارة على أول اتصال وكيف أحضروا سيارة السحب، وكيف لم يتركوا بعدها مسارا شاردا على جانب الطريق. كيف تجاوبت شركة التأمين مع ثنائي (الشركة والمستأجر) كي نقفل الملف. كيف وضع البوليس إشارات التحذير من حول الحادث ولم يتطفل فرد واحد بالوقوف والتجمهر! والمهم أننا كنا على بعد ساعة ونصف من رحلة طيران دولي وتحت كل هذه الظروف: زحام وحادث وأجانب وسيارة مستأجرة وشركة تأمين وأوراق بوليس ومع هذا وصلنا للمطار قبل 50 دقيقة من موعد الطائرة.
على النقيض؛ هنا مئات حوادث السير التي أصبحت (مهنة) لمحترفي سرقة المحتويات من جيوب الأموات ومن بين أيادي الجرحى. حوادث تتحول إلى حراج بالتجمهر الذي قتل العشرات سنويا لاستحالة وصول المسعف. ضمائر ميتة تمتهن تصوير الموتى والمصابين، ومن المخجل أن ترى على "اليوتيوب" عشرات المقاطع لأحياء ينازعون الموت. شركات تأمين تماطل لأشهر طويلة لاختراق العقد القانوني المكتوب. أفراد من الأمن يساومون كل حادث على (التنازل) كي لا (يبلش) مستلم البلاغ في معاملة. شركات تأجير تتنصل من بوليصة التأمين وفوق هذا تضيع الأيام ما بين قطع الغيار والورش.
رغم الألم كانت قصة الأمس تجربة مختلفة عرفت فيها قيمة الإنسان والقانون والوقت، ورغم هذا لم يسألني أحد عن العرق والجنسية. 40 دقيقة هو كل ما احتجته للخروج من ورطة ستأخذني هنا ما لا يقل عن 4 أيام رغم النفاذ وطول الذراع.