تعزية سمو أمير منطقة المدينة المنورة أسرة الضحية البريئة الطفلة تالا الشهري؛ بالإضافة إلى التعاطف الصادق من الشعب السعودي مع أسرة الضحية، فيهما دلالة على أن جريمة القتل قد هزت وآلمت المملكة قيادةً وشعباً. إن الألم قد ظهر من مشاعر حزينةٍ، تموجت وتدافعت في الوجدان السعودي: نجدها من ناحية تبكي على لبنةٍ صالحة أخذت في التشكل، كان ينتظرها مستقبل الوطن ونجد المشاعر من ناحيةٍ أخرى قد مالت إلى الحسرة على أسرةٍ فقدت أحد أفرادها قتلاً.. المهم أن تالا ستظل شاهدة على براءةٍ لم تتسع لمشاكلها الصغيرة عقولنا المزدحمة بالهموم الكبيرة، فكان سفكها مثيراً شرطياً (بفتح الأولى وتسكين الثانية) نستجيب له، ويجعلنا نعيد قراءة العلاقة بيننا وبين أطفالنا وحقوقهم من جهة، وبيننا وبين الخدم وحقوقهم من جهة أخرى.

الطفولة مرحلةُ هامة من مراحل تكوين الإنسان إن لم تكن أهمها على الإطلاق، ففيها تنمو الشخصية ومنها تتشكل أنماط السلوك كالذكاء والتعاون والمثابرة..إلخ، فالشخصية ليست كلمة هلامية _ لا وجود لها _ بل هي بطاقة التعريف لسلوك الإنسان، فكما أنه لا يعقل منطقاً أن يعيش الإنسان دون تنفس، فهو أيضاً لا يمكن له أن يعيش سوياً دون شخصية؛ ولذلك فإن أول أسباب العناية بالطفل هو الاهتمام ببناء شخصيته، حتى إذا وصل إلى سن السادسة أصبح في مقدوره الانطلاق بشكل سليم، لأن بناء شخصيتة من الأساس كان سليماً.

وانطلاقاً مما سبق نجد أن الطفل السعودي من سن الرضاعة وحتى سن السادسة يفتقر إلى بناء الشخصية المؤسسة بالشكل الصحيح، نتيجة ابتعاد الطفل عن أبويه بسبب ظروف العمل، وهذا السبب لا يلام فيه الأب أو الأم بقدر ما تلام الجهة المسؤولة عن رعاية الطفولة التي لم توجد بديلاً مناسباً كمؤسسات الحضانة مثلاً، ولو أن هذه المؤسسات موجودة لما تعلقت تالا وجدانياً بعاملة منزلية سارت بها إلى حتفها، ولو أن مؤسسات الحضانة موجودة لحمت الأطفال في سن تالا من المفاهيم الخاطئة التي يزرعها عمالة المنازل فيهم، ولذلك, فإن الحضانة متى وجدت كمؤسسة تابعة لجهة حكومية؛ فستكون بديهياً متضمنة للكادر الوظيفي المتعلم المدرك لنفسية الطفل وكيفية بنائه بالشكل السليم، بالإضافة إلى أن الكادر الوظيفي في هذه المؤسسات سيكون من ذات بيئة الطفل السعودي، وحتماً سيكون تركيز الكادر على الدقة في اختيار المفاهيم التي تصقل شخصية الطفل السعودي بشكلٍ سوي.

وبالمقابل، فإن القناعة الاجتماعية السعودية لا تدرك واجبات عمالة المنازل، إذ إن هذه الفئة من العمالة وظيفتها الاعتناء بالبيت، نظافته، وترتيبه، وليس الاعتناء بالطفل، ونتيجة لهذا الخلط ضاعت حقوق العمالة بسبب ضبابية واجباتها، وضعنا نحن معها، وأصبح الطفل شيئاً ضمن أشياء البيت!

ختاماً: تأطير حضانة الأطفال مؤسساتياَ وربطها حكومياً حماية لأطفالنا حياتياً ونفسياً.