مع التطور الحضاري، والتقدم الصناعي، والاكتظاظ السكاني، تتفاقم مشكلة التلوث، وتتضاعف انعكاساتها الخطيرة على صحة الإنسان، نتيجة تعدد مصادر التلوث التي أفرزها هذا التطور، وتنوعها بشكل مزعج بات يقلق الجميع.

وتأتي كل تلك التداعيات السلبية على البيئة، من الأفعال السلبية للإنسان غير المنضبط بقيم السماء، مصداقا لحقيقة مركزية قررها القرآن قبل أربعة عشر قرنا من الزمن بتصور مفاده: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون).

ولا جرم أن الإسلام كان قد حدد بوضوح ضوابط حماية البيئة من أي إخلال بتوازن مكوناتها على قاعدة (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، ووضع معايير الحفاظ على سلامتها من التلوث على تأصيل (الطهور شطر الإيمان)، وقاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) قبل أن تلتفت لها الحضارة المعاصرة، وبذلك كان الإسلام دينا صديقا للبيئة، منكرا لأي إساءة لها على قاعدة (إن الله لا يحب المفسدين).

ولأن الانعكسات السلبية لتلوث البيئة على الصحة العامة قد رافقتها مضاعفات تشويه معالم البيئة، وإلحاق الضرر بملامح مجسماتها، وفضاءاتها الطبيعية، بل وتعدتها إلى الشواخص المدنية أيضا، لذلك فقد أصبح موضوع معايير البيئة وتقنيات المحافظة عليها، من الانشغالات المهمة للمهتمين بشؤون البيئة في الوقت الحاضر.

لقد بدأنا نلاحظ مثلا، أن إشراقة الشمس في صباحات المدن المكتظة اليوم لم تعد مثل سابق سطوعها الذهبي، فإطلالة القادم لها من الريف يزجعه الجو المعتم، وهالة الدخان المخيمة على المدينة، كأنها ما تزال تغط في ظلام ليلها الذي لم ينبلج صباحه، ولم تشرق شمسها بعد، وهي لما تزل في مخيلته بتلك المشاهد الساحرة الشفافة، "أيام زمان"، عندما كان يسترق النظر صوب مآذنها الباسقة، وصروحها المجسمة، لا يحجبها عن ناظريه ستار.

لذلك فإن التوعية العامة، ورفع حس ثقافة حماية البيئة من التلوث بحس إيماني، بدءا من تطبيق قاعدة (وإن كنتم جنبا فاطهروا)، مرورا بسلوك (إماطة الأذى عن الطريق)، والحفاظ على شعار نظافة البيئة كل ذلك مسؤولية الجميع، وتبقى مقاييس مركزية لا تقل أهمية عن الإجراءات التي يجب أن تقوم بها دوائر البلدية، عند معالجة أي تجاوز يضر بالبيئة.

لقد أصبح أمر الحفاظ على البيئة وحمايتها من التلوث، ضرورة حضارية ملحة، تحتاج إلى وعي اجتماعي إيماني متقدم، وذلك قبل أن تكون مجرد ضرورة صحية وحسب. فالتوعية بالبيئة وضرورة الحفاظ عليها من الفساد والتلوث، وإن كانت مهمة اجتماعية، لكنها تبقى ومضة إيمانية، وصرخة أخلاقية على قاعدة (إن الله لا يصلح عمل المفسدين)، حيث تظل النظافة في تراثنا العربي الإسلامي من أساسيات الإيمان، وبالتالي فإن تعميمها من خلال التعليم بمختلف مراحله، والترويج للحفاظ عليها بوسائل الإعلام المختلفة، سيحد بلا شك من خطورة التساهل في حمايتها، إضافة إلى الاستفادة مما يستجد من معايير، وتقنيات، وعلوم معاصرة في مجال حماية البيئة.