-1-
حدثان مهمان وتاريخيان، يخصان المرأة السعودية، حدثا في التاريخ المعاصر للمملكة العربية السعودية، لا بد من التوقف عندهما وتأملهما والتفكير بهما وشرح أبعادهما، وأثرهما التعليمي، والاجتماعي والسياسي كذلك، وهما:
الأول، قرار الملك الراحل سعود بن عبد العزيز عام1959، ثم قرار الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز، عام 1962حول تعليم المرأة السعودية.
والثاني، قرار الملك الشجاع عبد الله بن عبد العزيز في مطلع عام 2013، القاضي بإدخال 30 امرأة سعودية متخصصة، في تشكيل مجلس الشورى السعودي الجديد، بنسبة 20% من عدد أعضائه البالغ 150 عضواً. فتاريخ تقدم المرأة السعودية الحقيقي، بدأ منذ أكثر من نصف قرن، في عام 1959 بحزمة من الأنظمة، التي تفتح أبواب العمل للمرأة السعودية، كما بدأ بالطريق الذي يجب على المرأة السعودية أن تسلكه، لكي تصل إلى فتح أبواب العمل أمامها، كما نشاهد الآن في المملكة.
فتاريخ تقدم المرأة السعودية الحقيقي بدأ يوم أن فتح الملك الراحل سعود بن عبد العزيز في 1959 مدارس البنات. ثم يوم أن فتح الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز الطريق الواسع أمام تعليم المرأة السعودية، في عام 1962، وأنشأ المزيد من مدارس تعليم البنات، رغم المعارضة العنيفة من المتشددين، الذين كانوا يخشون على المرأة من التعليم. وهم الذين كانوا يعلمون تمام العلم، أن الطريق الوحيد لتحقيق طموحات المرأة في الحياة الأفضل، هو العلم والتعليم، مما وفر الآن، أمام قرار خادم الحرمين الشريفين، الكوادر النسوية السعودية المتخصصة، لإدخال هذا العدد الكبير من النساء، في مجلس الشورى السعودي الجديد، والذي لم يتم مثيل له، في برلمانات العرب، أو ما يُطلق عليها "مجالس الشعب"، في التاريخ العربي، منذ 15 قرناً حتى الآن.
-2-
إضافة لذلك، لا أريد أن ألوم أحداً في الشرق أو في الغرب، على ربطه مؤشرات الحداثة الاجتماعية السعودية، بالسماح للمرأة السعودية بسياقة السيارة، أو بتركها للحجاب أو النقاب، أو باختلاطها بالذكور في مراحل التعليم المختلفة، وفي العمل؛ فكل هذا مرتبط بالحالة الاجتماعية، والحالة التاريخية، والثقافية، والتعليمية للمرأة السعودية، ذات الخصوصية المتفردة. فهي لم تولد ولادة اجتماعية حقيقية إلا بعد عام 1959، عندما فُتحت أمامها المدارس لتتعلم، وبذا اعتُبر الملكان الراحلان: سعود وفيصل، الوالدين الفعليين والتاريخيين للمرأة السعودية، وأضيف لهما اليوم، والد ثالث بار بهن، وهو الملك عبد الله بن عبد العزيز.
-3-
لقد واجه مشروع الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز الحداثي الاجتماعي (التوسع في تعليم المرأة) الأمواج العالية والعاتية من الغضب والتشدد، ولم تكن الظروف مواتية، كما هي اليوم، ولكن الملك الراحل أصرَّ على مشروعه بشجاعة، وإيمان عميق بمستقبل المرأة السعودية، الذي بدأت ثماره تنضج وتُجنى، حين ارتقت أول سيدة سعودية منصب مدير بنك كبير. وهي الدكتورة ناهد طاهر، التي تخرجت من جامعة "لانكستر" في بريطانيا في الاقتصاد، وأصبحت مستشارة اقتصادية في البنك التجاري السعودي، ثم رئيسة لبنك الخليج. وأدرجتها "الفاينانشال تايمز" ضمن قائمة أفضل 50 سيدة أعمال في العالم لعام 2009. وهي الوحيدة من العالم العربي التي تم إدراجها في هذه القائمة. وقامت جامعة IMD السويسرية للأعمال بتعيين الدكتورة ناهد طاهر عضواً في مجلس إدارة الجامعة. ويأتي تعيين الدكتورة ناهد كنقلة نوعية لتكون في مجلس الإدارة – كسيدة - لأول مرة في تاريخ الجامعة، وكذلك لكونها تمثل الوجه النسوي المشرق في الشرق الأوسط عامة، وفي السعودية خاصة.
-4-
وبدأت ثمار التعليم المباركة المغروسة أشجارها منذ نصف قرن مضى، تتوالى بعد ذلك، فارتقت سيدة سعودية أخرى منصب مدير جامعة مهمة، وهي الدكتورة الأميرة الجوهرة بن فهد آل سعود، مدير جامعة نورة بنت عبد الرحمن آل سعود. وتولَّت سيدة سعودية أخرى، رئاسة مجلس إدارة كلية علمية مشهورة، وجامعة جديدة، وهي الأميرة "لولوة الفيصل"، إحدى رائدات التعليم في السعودية، ورئيسة مجلس إدارة كلية "دار الحنان"، و"جامعة عفت" في جدة. وأصبحت شهرة الروائية والطبيبة رجاء الصانع عظيمة. كما فازت الروائية الفذة والمثابرة رجاء عالم، بجائزة البوكر العربية لعام 2011، عن روايتها "طوق الحمام". واعتلت شاعرة سعودية كفوزية أبو خالد منبراً عالياً للحداثة، وأصبحت مجموعة من النسوة السعوديات مشاركات في القرار الاقتصادي السعودي، من خلال عضويتهن في الغرفة التجارية بجدة، وتفوقت سيدات سعوديات كثيرات، في مجال الطب، والعلوم، والاجتماع... إلخ.
وكل هذا، تمَّ خلال نصف قرن (1959-2013) من بدء المشروع التحديثي الاجتماعي الثقافي السعودي، الذي بدأ بالعلم والتعلّم. وأصبح المؤشر الكبير في هذا المجال.
-5-
للغرب والشرق، الحق في قياس التحديث الاجتماعي السعودي ببارومتر المرأة، ولكن الشرق والغرب في قياسهما هذا، ينسيان عدة حقائق تاريخية، وثقافية، واجتماعية، أحاطت بتموضع المرأة في المجتمع السعودي. إن المزيد من نجاحات المرأة في شتى ميادين الحياة السعودية، وخاصة التعليم، واكتسابها المزيد من المواقع المهمة في سوق العمل السعودي، لن يتأتى فقط، من خلال حزمة من الأنظمة الرسمية، تعطي المرأة السعودية ما لا تستحق، ولكن من خلال إعطاء المرأة السعودية ما تستحقه من فرص التعليم، والعمل، والمناصب، نتيجة لما تحققه هي نفسها من تعلّم ومعرفة، تفرضه هي نفسها، فرضاً معرفياً على المجتمع، بمختلف قطاعاته.
إذن، لقد اختارت المرأة السعودية، التي أصبحت الآن في مراكز تعليمية، وتربوية، وصحية، واجتماعية، واقتصادية، وثقافية عليا، طريق العلم والتعليم للتقدم، والتي تؤشر إلى مدى التحديث الاجتماعي المرصود الذي حققته المرأة السعودية، خلال نصف القرن الماضي، في حين أن مفتاح حرية المرأة الغربية، وإعطائها حقوقها المشروعة، كان المشاركة في الحروب، سواء في الحرب العالمية الأولى، أو الحرب العالمية الثانية على وجه الخصوص.
ولنا الآن، ونحن نعيش في عهد فارس من أهل العزم التاريخيين، أن نستذكر ما قاله الشاعر العظيم المتنبي، قبل أكثر من ألف عام:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكريم المكارم .