من البدهيات أن المرحلة تحتم على هيئة الإذاعة والتلفزيون تجاوز النمطيات التي جعلت المشاهد السعودي يهجر قنواته التلفزيونية الرسمية، باحثا عن قضاياه الأهم في قنوات أخرى. ومن البدهيات ـ أيضا ـ أن بعض الباحثين عن ذواتهم في القنوات الأخرى ليسوا سوى مؤججين، أو مقتاتين على صراع التيارات، وإن كان هذا لا ينفي أن بعضهم الآخر قد نجح ـ إلى حد كبير ـ في أن يكون صوتا نزيها للوطن بمعناه الذي يشتمل على المواطن والدولة، ولنا في علي العلياني خير مثال.

برنامج صاحب قرار، الذي يعده ويقدمه كاتب "الوطن" يحيى الأمير، يمكن أن يكون أنموذجا جيدا لما نأمله في البرامج الحوارية عبر قنواتنا الرسمية، ويمكن أن يستعيد بعض العيون والآذان التي لم تعد تنظر أو تسمع أو تنتظر من قناتنا الأم شيئا.

"صاحب قرار"، يحاول أن يتخلص من صفة "التلميع للتلميع"، على الرغم من أنه ـ في بداياته ـ يتكئ على حجم أسماء الضيوف، وأهمية أدوارهم، أكثر من اعتماده على تغيير النهج الحواري القديم الذي يرفض الغوص إلى العمق، ويصر على أن المثالية الإعلامية كامنة في البقاء قريبا من السطح، أو من القشور.

حتى الآن، استضاف البرنامج كلا من: أمير منطقة مكة المكرمة، ورئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، وكانا عند المأمول، لأن الحوار معهما حاول أن يكون خارجا عن المألوف، سواء في لغة الخطاب، أو في مضامين الحوار، وتلك للبرنامج لا عليه، بيد أن هاتين الحلقتين تحملان "صاحب قرار" أعباء تجاوزهما، على الرغم من أن مستوى الشفافية لم يكن عند المأمول من برنامج راهن البعض عليه، بسبب تجنبه بعض الشائكات التي طرحها "المغردون" بصدق.

تطوير برامج التلفزيون السعودي في مرحلة "الهيئة" يتطلب أدوات كثيرة.. أظنها لا تخفى على المسؤولين في هيئة الإذاعة والتلفزيون، لكنهم ما زالوا في "السطر الأول"، ولهم علينا حق الانتظار.