موسكو ساحرة، إسطنبول جميلة، لماذا لا تكون القاهرة الآن؟ يبدو أن هناك تغييرا في مكان الاجتماع القادم بين دول مجموعة 5+1 وإيران.

بعد سنة تقريبا منذ انعقاد الاجتماع الماضي بين إيران ودول هذه المجموعة (التي تضم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا)، الذي تم في موسكو ولم يؤد إلى أي نتائج على الأرض، قرر الجانبان الاجتماع مرة أخرى في فبراير. الاجتماع حول برنامج إيران النووي أصبح مثل الزوبعة، يثير اهتمام وحماس العالم والإعلام ثم يتم الإعلان بعد ذلك عن الاتفاق على عقد اجتماع آخر.

ولكن في هذه المرة هناك مشكلة حول مكان الاجتماع. يبدو أن دول مجموعة 5+1 اقترحت عقد الاجتماع في إسطنبول، لكن إيران تصر على عقده في القاهرة، ولا شك أن لديها أجندة سياسية لهذا الإصرار. منذ فترة طويلة تنتظر إيران تحسين العلاقات بينها وبين مصر، وتعتقد القيادة الإيرانية أن وصول الدكتور محمد مرسي إلى الرئاسة نتيجة للثورة في مصر يوفر فرصة كبيرة لتحقيق قفزة في العلاقات بين البلدين.

لكن الأحداث في سورية ووقوف النظام الإيراني إلى جانب حكومة الرئيس بشار الأسد يبدو أنها تعيق تحقيق تقدم في العلاقات، وقد صرح المتحدث باسم الرئيس محمد مرسي بوضوح أن العلاقات بين البلدين لا يمكن أن يتم تطبيعها ما لم تتوقف إيران عن دعم الأسد، لكن طهران، التي تعتبر دمشق مركز المقاومة في المواجهة ضد إسرائيل، لم تفقد الأمل في محاولتها تحقيق اختراق يساعد على تحسين علاقتها مع القاهرة.

مصر مهمة جدا بالنسبة لإيران، وقد حاول جميع الرؤساء الإيرانيين تقريبا، بما في ذلك الرئيس محمد خاتمي والرئيس أحمدي نجاد، تطبيع العلاقات مع النظام المصري حتى في أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك، لكن الرئيس مبارك كان يرفض السماح بتحسين العلاقات مع إيران لأنه لم يكن يحب القيادة الإيرانية منذ أن عبرت طهران عن فرحتها باغتيال الرئيس أنور السادات، وقد أطلقت أجهزة الإعلام الإيرانية صفة "بطل" على الذي اغتال السادات وتمت تسمية أحد شوارع طهران باسم هذا القاتل "خالد الإسلامبولي"! وبالطبع فإن العلاقات القوية التي كانت تربط بين مبارك والإدارات الأميركية المتعاقبة كانت سببا هاما آخر في منع تحسين العلاقات بين البلدين.

علي صالحي، وزير الخارجية الإيراني، زار مصر مؤخرا وفاجأ العالم بأن طهران مستعدة لعقد الاجتماع القادم بينها وبين دول مجموعة 5+1 في العاصمة المصرية، كما أبدت الحكومة المصرية أيضا اهتماما باستضافة هذا الاجتماع، ربما لأن هذا يعيد إليها المكانة الدولية المرموقة كدولة إقليمية هامة.

ولكن هناك تساؤلا يسود بين المراقبين والمهتمين بالشأن الإيراني والإقليمي: هل إيران مستعدة فعلا لوضع حد للصراع حول برنامجها النووي أم أنها تخطط فقط للتهرب من مطالب المجتمع الدولي؟ الاختلاف بين الطرفين حول مكان الاجتماع جعل كل طرف يتهم الآخر بمحاولة تأجيل الاجتماع. المتحدثة باسم كاثرين آشتون عرضت عقد الاجتماع في إسطنبول في 28 و29 يناير، لكن إيران رفضت هذا العرض.

الاتحاد الأوروبي اتهم طهران بمحاولة تمديد الوقت واستغلاله وذلك من خلال التذرع بمكان الاجتماع. كما تتهم إيران دول مجموعة 5+1 بأنها غير جاهزة للحوار، وزير الخارجية الإيرانية علي صالحي صرح لأجهزة الإعلام بأن إيران مستعدة لعقد الاجتماع في أي مكان وزمان للوصول إلى حل، ونفى أن تكون حكومته تعيق عقد هذا الاجتماع في محاولة لكسب الوقت، هذا الارتباك واختلاط الأمور أغضبا وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، الذي قال إن القوى الغربية تتصرف كالأطفال وأنها لا تريد في الحقيقة التوصل إلى اتفاق مع إيران حول مكان الاجتماع.

من المقرر أن يقوم الرئيس محمود أحمدي نجاد بزيارة مصر لحضور اجتماع قمة الدول الإسلامية في الأسبوع القادم، ويبدو أن القيادة الإيرانية ترغب في عقد الاجتماع مع دول مجموعة 5+1 بعد القمة الإسلامية في فبراير. أحد الدبلوماسيين المصريين الذين رافقوا الرئيس مرسي إلى طهران خلال قمة دول عدم الانحياز في سبتمبر الماضي قال لي بشكل غير رسمي إن الرئيس مرسي رفض بذكاء الاجتماع مع آية الله خامنئي حين قال إنه رئيس، وإنه سيلتقي فقط بنظيره الإيراني، أما خامنئي فهو "مرشد" ويفترض أن يلتقي مع "المرشد" في مصر.

وفي جميع الأحوال، ليس من الواضح حاليا فيما إذا كانت تطورات الأوضاع في مصر خلال الأيام القليلة الماضية ومنع التجول في عدة مدن مصرية سيؤثران على عقد اجتماع القمة الإسلامية في مصر الأسبوع القادم.

وفي نهاية المطاف يجب القول إن اللعب على عنصر الوقت قد لا يكون في مصلحة إيران في نهاية الأمر لأن ذلك قد يؤدي إلى تطبيق عقوبات دولية أشد من الحالية على هذا البلد، المهم أن تدرك القيادة الإيرانية ذلك وتعمل على هذا الأساس بغض النظر عن مكان الاجتماع، حتى لو تم نقله من القاهرة إلى واشنطن.