يبدو أن الحديث لم ينتهِ عن "كارثة الديموقراطية" التي جاءت عنوانا لمقال الأسبوع الماضي في هذه الزاوية، وفي توضيح للفكرة، فإن الديموقراطية بحد ذاتها ليست كارثة، وإنما الكارثة في تطبيق بعض العرب لها، بما جعل مَنْ هم ليسوا أهلا للحكم يتحكمون بمصير شعب ودولة، ويبدو أن الحكاية مستمرة.

من تداعيات تلك الكارثة التي جعلت جماعة "الإخوان المسلمين" تتصدر المشهد السياسي في دول "الربيع العربي"، أن الاضطراب عاد إلى مصر بحدة غير مسبوقة، منذ نهاية الثورة وسقوط النظام السابق، إذ بلغت الأخطاء خلال الأيام السابقة درجة قتل المتظاهرين، كما لم يحدث إلا زمن أنظمة الطغاة قبل سقوطها، مما يؤكد أن عهد "الإخوان" في مصر هو زمن طغاة من نوع مختلف.. طغاة يتلبسون الدين ستارا للهيمنة على الدولة والامتداد خارجها.

من تداعيات كارثة الخيار الديموقراطي الخاطئ أيضاً أن "الإخوان" في الدول الأخرى ومنها الخليجية استقووا بجماعتهم الأم، فبدأت ملامحهم تظهر وصوتهم يعلو. ومن يقرأ واقع الحال في مصر وتاريخهم منذ التأسيس، يدرك أن هدف أي تحرك "إخواني" هو السيطرة على الحكم. لذلك فإن تنبه دولة الإمارات منذ شهور لعدد غير قليل من المنتمين لـ"الإخوان" كان في وقته قبل أن يتغلغلوا أكثر، وينشروا أفكارهم ضمن مساعيهم لبلوغ حلمهم بالاستيلاء على السلطة، ويفترض أن يكون تحويلهم إلى المحاكمة منذ أيام درسا واضحا لباقي "الإخوان" في دول الخليج، يفيد أن مشروعهم غير قابل للتطبيق، وأن عليهم العودة إلى الوعي والاندماج في ركب المجتمع الساعي إلى بناء مستقبله ومشاريعه النهضوية والتنموية الواضحة للعيان.

لو ناقشنا الواقع بحيادية مطلقة، ونظرنا إلى ما يحدث في مصر نتيجة محاولة الإخوان المسلمين الالتفاف على الثورة، والقبض على مجلس الشعب، وعلى الوزارات والمناصب المهمة في الدولة، لوجدنا أنهم "كوّشوا" على كل شيء تقريبا، وتركوا الفتات لباقي التيارات والأحزاب، ومن أجل أن يستمر هذا الوضع، فهُم على استعداد لقمع أي حركة معارضة لتوجهاتهم، أو معرقلة لمساعيهم حتى لو كانت الحركة شعبية جماهيرية رافضة لسلوكياتهم برغم انتخابها لهم.. هذا السلوك يختصر فكر "الإخوان" وأهدافهم، وتبريرهم لتصرفاتهم العنيفة في قمع المتظاهرين بأنهم يحكمون باسم الشعب؛ لأنهم جاؤوا عن طريق الانتخاب غير منطقي، فالشعب الذي انتخبهم اكتشف أنه كان مخدوعا بشعاراتهم، وهو برفضه لهم وخروجه ضدهم اليوم يعترف ضمنيا أنه أخطأ، بعدم اختياره لرجالات السياسة الحقيقيين، وتفضيله أصحاب شعاراتٍ أثبت الزمن أنها مجرد مطية لبلوغ سلطة كانت حلما ذات يوم.