خلال الأيام الماضية دخلت أروقة "مركز الأميرة جواهر لمشاعل الخير" والتابع لجمعية البر بالمنطقة الشرقية، وكان ذلك نيابة عن أختي وصديقتي الأديبة "سارة بنت محمد الخثلان" هذه الزيارة على قصرها كانت كافية لإثارة اهتمامي بشكل كبير، فمنذ خطواتي الأولى أدركت عظم الاهتمام الذي وجه لهذا المشروع، فالمبنى يعد تحفة معمارية راعت خصوصية المرأة وراحتها بشكل كبير، فأثناء التوجه لقاعة الاجتماع مررت بالساحة الخارجية، فلفت نظري ذاك السقف الضخم الذي أغلق بزجاج وسمح بإنارة المبنى من الداخل وبشكل رائع، ولم تكن هذه الساحة هي المنور الوحيد للمشروع ففي معظم أقسام المبنى تتحقق الإنارة من الأعلى، وأستطيع أن أقول إن السمة العامة للمبنى هي الخصوصية والجمال، فمن الخارج سيرى الناظر مبنى اعتاد مشاهدة مثله هنا وهناك، ولكنه ما إن يدخل إليه حتى يعاين بنفسه الرعاية الخاصة والمتميزة التي سخرت للمستفيدات من هذا المشروع.

وفي تلك الزيارة القصيرة وقفت أمام مديرة مركز الأميرة جواهر لمشاعل الخير، السيدة الفاضلة "بدرية العثمان" ولأدرك منذ الدقائق الأولى للقاء ما تتمتع به هذه السيدة من حضور آسر، كما أن تعاملها اللطيف يشمل العاملين معها وغير العاملين، وهو ما شجعني لإبداء رغبتي في زيارة المركز وقت الذروة، لعلي أقف على طبيعة ما يقدمه.

وخلال هذه الزيارة حرصت الأستاذة بدرية على مرافقتي وتعريفي بالموظفات والعاملات والطالبات، وهناك لامست جمال أولئك النسوة واللائي يتكلمن لغة واحدة، تبدأ بابتسامة ثم ترحيب ثم حماس منقطع النظير، لم أشاهد تجمعات نسائية كما أراها مع الأسف في بعض المؤسسات الحكومية، وخيل إلي أنهن يقيمن عملهن قبل أن يقيمه الآخرون، لم أر سيدة أو شابة أو طفلة إلا وبيدها عمل تنجزه، أما البرامج التي أولاها هذا المركز جل اهتمامه فكثيرة ومتعددة، والطريقة المعتمدة في كل منها تستحق أن يتفرد للحديث عنها مقال خاص، ومن المهم الإشارة إلى أن المركز يهدي بنات "جمعية البر" كافة المستلزمات المطلوبة وفي كافة الدورات المنعقدة.

وقد لفت نظري دورة الحياكة، فهناك تدخل السيدة أو الفتاة ودون أدنى معرفة بالخياطة لتخرج منها مدربة تدريبا عالي الجودة، وقد تشرفت بمقابلة رئيسة هذا القسم "شيخة عبد الرحمن بن عفيف"، فتحدثت عن سعادتها بتعليم الفتيات وتدريبهن، وعلمت من الأستاذة الفاضلة "بدرية العثمان" أن الأستاذة شيخة كانت وراء فكرة تدريب فتيات من صاحبات الاحتياجات الخاصة (الصم والبكم)، ولإنجاح الدورة قامت الأستاذة "شيخة" وبدعم وتشجيع المركز توجه مدربة متخصصة لأخذ دورة في لغة (الصم والبكم)، وقد نجحت الدورة ولله الحمد، فشكرا لصاحبة الفكرة وللأستاذة "بدرية العثمان" وللطالبات ولكل من كان وراء هذا النجاح.

وقد شاهدت مصنعا للخياطة يدار بأيدي مواطنات، وهو مخصص بشكل أساسي لإنتاج الأزياء الموحدة، ووجدت الفنيات يحتضن الأقمشة بحنان منقطع النظير، كل قطعة وضعت في مكانها، والمصنع بشكل عام منظم ونشط للغاية، كل قطعة يجب ألا تخرج عن المقاسات العالمية المعتمدة، وقد لفت نظري الجودة العالية ليس للتفصيل فقط بل للأقمشة أيضا، واختلست النظر إلى أرض المصنع لعلي أرى بقايا الأقمشة نثرت في الزاوية الخفية، إلا أني لم أر على الأرض إلا ما رأيت على السطح من نظام ونظافة وترتيب، ثم انتقلت بعدها لركن التغذية، وهناك علمت من القائمة على هذا الركن أن هذا القسم مخصص للتدريب على الأغذية الصحية للمراهقين ومرضى السرطان والسكر والضغط، وأن فترة التدريب مقسمة إلى قسمين، القسم الأول نظري والآخر عملي، وقد وجدته مناسبا جدا للمقبلات على الزواج خاصة أنه قادر على تعليمهن بعض الأطعمة الشعبية والموسمية، توجهت بعدها إلى قسم التجميل فوجدت المدربات يقمن بتدريب عملي، عندها أشرت للمدربة الشابة والتي سبق لها أن تدربت في المركز: (لضرورة الاهتمام ببيان أن لكل وقت نوعا من التجميل لا يليق بغيره، وأن كثرة المساحيق تضر بالبشرة على المدى البعيد)، فما كان منها إلا أن أيدت رأيي وبينت أن ذلك من أولويات التدريب، فشكرا للطفها وسعة صدرها.

كما زرت غرف تدريب كالحاسب الآلي والتصوير الضوئي والرسم، وغيرها، وتوقفت بإعجاب عند ورشة عمل خاصة بحياكة "السدو" ولأعاين جمال وإبداع أنامل الفتاة السعودية، فقد تعدت هذه الحرفة في هذا المركز الخيام والأرضيات لتشمل القطع الفنية التي يزدان بها الأثاث والديكور.

بعدها مررت بالنادي الصحي النسائي، وما إن دخلت حتى وجدت نفسي في فندق خمس نجوم، مكان صمم بأناقة عالية، وقد وقفت على شروط غاية في الدقة تتمحور حول الآداب العامة.

وأخيرا توجهت إلى جنة الأطفال، عندها تمنيت أن لي أحفادا يمرحون ويتعلمون فيها، والأجمل هي النفوس التي تدير هذا القسم الذي يشع مرحا ونظافة وجمالا، فقد قالت لي إحداهن: (إن جمال هذا القسم يكمن في وجود أطفاله، وهم ليسوا فيه بسبب الإجازة الصيفية)، ومع أني وجدته عالما جديرا بالإشادة سخرت له كافة الإمكانيات والأدوات لإسعاد الطفل وتعليمه في مراحل الروضة والتمهيدي وهي مراحل غاية في الحساسية، إلا أني تمنيت أن أزوره خلال وجود الأطفال فيه.

إن المرافق المتواجدة على أرض مركز الأميرة جواهر، أكثر بكثير مما ذكر فهناك سكن خصص للمتدربات الوافدات من مناطق بعيدة، وهناك المحلات التجارية والقاعات ذات الأغراض المتعدد، إنه عالم المرأة الذي تتحرك فيه بحرية دون قلق، وأنا هنا أتطلع لفتح محل لبيع أدوات التجميل ولمقهى نسائي ولرؤية محل لبيع الملابس النسائية الخاصة.

ولا بد من توجيه شكر خاص لصاحبة السمو الأميرة جواهر بنت نايف - حفظها الله- فقد كان اهتمامها المباشر بهذا المشروع قبل بنائه وأثناء بنائه وبعد افتتاحه سببا في نجاحه ووصوله لهذه المرحلة المتفردة والمميزة بفضل الله ، كما يتوجب علي توجيه الشكر الجزيل لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد أمير منطقة الشرقية فقد كان أول من بادر إلى دعم المركز معنويا وماديا وإداريا، وما زال على حاله هذا، ولله الحمد، كما أوجه شكري لكافة رجال الأعمال الذي ساهموا في نجاحه، وللأخت الغالية "بدرية العثمان" التي أضافت الكثير لهذا المشروع الخير، والذي يعمل على إيواء وتأهيل وتدريب وتوظيف فتيات الأسر المحتاجة ورفع مستواهن المعيشي وزيادة فرص العمل المتاحة لهن.. وتدريب المتطلعات للتدريب من غير الأسر المحتاجة، مع أن الأولية تكون دوما لبنات المركز وبنات جمعية البر... والأجمل في هذا المركز أن نسبة السعودة تصل حوالي 98%.. كما أنه يعمل على توفير فرص عمل للمتدربات.