لم تغفل الحكومات الغربية مطلقاً وجود تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وقدَّمت المساعدة التقنية في محاولة لتعزيز قدرة قطاعات الأمن والقضاء على مكافحة الجماعة. بيد أن الحكومات الغربية قلّلت من شأن تأثير الجريمة المنظَّمة الذي يزعزع الاستقرار في المنطقة.
ويُعتبر تنظيم القاعدة بشكل ما شبكة إجرامية، حيث يختطف مواطنين غربيين بهدف ممارسة ابتزاز مزدوج يتمثّل بأخذ الفدية وإطلاق سراح أعضاء الجماعة المسجونين. كان تواطؤ الدولة مع الجريمة المنظَّمة، حتى وقوع الانقلاب العسكري في مالي في مارس 2012، أهم عامل في نمو التنظيم ومحرّك الصراع في شمال البلاد. إذ تمارس الجهات الفاعلة الضالعة في الجريمة المنظَّمة حالياً نفوذا سياسيا وعسكريا حاسما في شمال مالي.
ويقول تقرير نشرته "مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي" مؤخراً أن حكومات منطقة الساحل سوف تنجذب إلى استخدام الجريمة المنظَمة كوسيلة سياسية عبر السماح لحلفائها بالاستفادة من الأنشطة الإجرامية التي تترتب عليها آثار واضحة بالنسبة إلى خطط عملها. ويُعدُّ التركيز على بناء القدرات في القطاعين القضائي والأمني هو المقاربة الصحيحة إذا ما دعمت الحكومات الجهود الرامية إلى مكافحة الشبكات الإجرامية. وبالتالي يتعيّن على الجهات المانحة أن تركّز أكثر على المشاركة السياسية، وتشجِّع الإستراتيجيات التي تجعل الاستيعاب السياسي للاعبين المؤثرين يتوقّف على فك ارتباطهم بالاقتصاد غير المشروع، والالتزام باحتواء تهريب المخدرات والأسلحة. وسيكون هذا الأمر صعبا، خاصة في مالي، حيث سيتعيَّن على الحكومة عقد صفقات مع القوى المحلية، بما في ذلك عقد تحالفات موقّتة مع بعض الشبكات الإجرامية في الشمال، لاستعادة السيطرة على الإقليم. ويتمثّل التحدي هنا في ضمان ألا يوطّد التوصل إلى تسوية للصراع هناك قوة الشبكات الإجرامية ويوسِّع قدرتها على العمل.
لكن، وبسبب قلّة مصادر الدخل البديلة في المنطقة وعدم وجود أي مصدر قادر على منافسة المكاسب التي يمكن تحقيقها بفضل النشاط الإجرامي، فإن اتخاذ خطوات قوية لتفكيك الشبكات الإجرامية يمكن أن يضُر أكثر مما ينفع. ولعل أفضل ما يمكن أن تقوم به الأطراف الخارجية هو تقديم يد العون في إضعاف الشبكات الإجرامية في شمال مالي تدريجياً، عن طريق وضع مقاربة دولية متماسكة للحدّ من عمليات دفع الفدية، والتي تعدّ أحد مصادر التمويل الرئيسة للتنظيم، والمساعدة في تعزيز التعاون الإقليمي.
التأثير المتنامي للجريمة المنظَّمة
يعترف المراقبون الخارجيون والمسؤولون في حكومة مالي بأهمية الاتّجار بالمخدّرات، بيد أنهم ركّزوا بصورة رئيسة على دور تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، وتجاهلوا أو قلّلوا من أهمية علاقات المسؤولين في الدولة والقادة السياسيين بالشبكات الإجرامية. علاوة على ذلك، كان صنّاع القرار في الغرب ينظرون في المقام الأول إلى الفرع الإقليمي لتنظيم القاعدة بوصفه جماعة إرهابية، على الرغم من أن نشاطه كان يتمثّل في اختطاف الرعايا الأجانب لابتزاز الفدية.
تحوّلت عمليات الخطف من أجل طلب الفدية إلى صناعة مربحة للغاية، الأمر الذي سمح لتنظيم القاعدة أن يصبح قوة سياسية وعسكرية كبيرة في منطقة الساحل والصحراء. ويستنتج من المعلومات المتاحة أن من المرجَّح أن يكون الدخل الذي يجنيه تنظيم القاعدة، وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، والوسطاء المرتبطون بهما من عمليات الخطف قد بلغ ما بين 40 و 65 مليون دولار منذ عام 2008، دفعت الحكومات الغربية معظمها.
استنتاجات
مع أن منطقة الساحل والصحراء تتأثّر بأكملها بسبب التواطؤ بين بعض أجهزة الدولة والمجرمين، فإن دور الجريمة المنظَّمة في انحدار شمال مالي إلى الصراع واضح تماما، وهو يقدم الدروس ليس إلى الجهات المانحة لمالي فقط، بل للدول المجاورة أيضا.
حالما تدهور الوضع، بدأ الاتحاد الأوروبي بالترويج لحملة كبيرة لتوسيع الوجود الإداري والأمني للدولة في شمال مالي عرفت باسم البرنامج الخاص للسلام والأمن والتنمية في شمال مالي. وبوصفها قصة النجاح الديموقراطي المفترضة في غرب أفريقيا، ظلت مالي "مدلّلة المانحين" في المنطقة حتى إنهار النظام تحت وطأة ضربات تمرُّد ضباط من ذوي الرتب الدنيا في مارس 2012.
إحدى النتائج المحتملة بالنسبة إلى الجهات المانحة من مسار مالي، أنه ينبغي إيلاء مزيد من الاهتمام لمخاطر تواطؤ الدولة مع الجريمة المنظَّمة في موريتانيا والنيجر. فالتركيز على بناء القدرات في القطاع القضائي والأمني هو المقاربة الصحيحة طالما كان هناك دعم سياسي من الحكومات لمكافحة النشاط الإجرامي، وفي مالي كان واضحا أن الأمر لم يكن كذلك.
بيد أن معالجة مشكلة شبكات التهريب في مالي نفسها ستكون مستحيلة، طالما بقي الشمال خارج سيطرة الحكومة. في شمال مالي، تستمد الجماعات الإسلامية المتطرفة قوتها من تحالفها مع الشبكات الإجرامية والمصالح التجارية المحلية، وأي مقاربة للصراع يجب أن تتضمن إستراتيجيات لكسر هذه التحالفات. ووفق جميع الاحتمالات، يجب أن يشمل هذا استمالة الحكومة في مالي لبعض العناصر الإجرامية، أو تقديم ضمانات من الدولة ومجتمعاتهم بأنه ستتم حمايتهم من الملاحقة القضائية.