أصدر "مركز الدراسات الأميركية والعربية" في واشنطن تحليلا بتاريخ 16 سبتمبر الجاري تناول دور الأصوات اليهودية في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة. بداية يقول التحليل إن مفهوم حقيقة أصوات اليهود ونفوذهم في أميركا قد رافقته بعض الضبابية وأسهم في إرساء ظلال من الشك على بديهيات الأمر لما يتعلق بمسار الانتخابات الأميركية بشكل عام، والرئاسية بشكل أدق. أولى المفاهيم الضبابية هي التسليم بأن دعم الرئيس الأميركي، أي رئيس، "لإسرائيل" نابع من تقديره لدور الأصوات الانتخابية لليهود. ثانيها أن الحصول على دعم الأصوات اليهودية أمر بالغ الدقة والحساسية وحيوي في عدد من الولايات التي لم تحسم مسبقا لصالح أحد الحزبين المتصارعين. أيضا، تضخيم موقع الناخب اليهودي وقولبته في إطار أنه عادة ما يكون مثقفا بدرجة كبيرة وثريا بنفس الوقت. لا شك أن القضايا المشار إليها تنطوي على قدر من الصحة، إلا أن واقع الأمر مغاير بعض الشيء. وفيما يلي سردا لما تناوله التحليل:
لا يجادل أحد في أهمية وحيوية كسب أصوات اليهود، لاسيما وهم يشكلون زهاء 2% من مجموع السكان الأميركيين، ويتضاعف حجم ثقلهم الانتخابي إلى 4% مقارنة مع نسبة الناخبين العامة. خاصة وأن تقديرات المشاركة العامة في الانتخابات الرئاسية المقبلة قد تصل إلى 80% من الناخبين مقارنة بنسبة بلغت 57% في جولة الانتخابات السابقة عام 2008.
للتوصل إلى إدراك وفهم دقيق لتوزيع ودور الأصوات اليهودية في حملة الانتخابات الجارية، ينبغي على المرء التوصل إلى خلفية بروز الجالية اليهودية في المجتمع الأميركي، والتي تمثل أكبر كتلة لليهود خارج فلسطين المحتلة؛ بينما يقطن مدينة نيويورك (وضواحيها) زهاء ثلث مجموع عدد اليهود في أميركا، وذلك استنادا إلى دراسة أعدت مؤخرا رصدت التحولات والمتغيرات في الجالية اليهودية منذ عقد من الزمن...
بالإمكان رصد انقسام في توجهات الجالية اليهودية، إذ بينما تتنامى أعداد اليهود الأرثوذوكس، هناك تراجع في هوية وانتماء اليهود من غير الأرثوذوكس وتضاؤل الشعور "بيهوديتهم،" والذين يشهدون تراجعا في إحياء الشعائر والمناسبات اليهودية. إذ تشير الإحصائيات إلى انخفاض الاحتفال بعيد الفصح اليهودي، وأن نحو 14% من العائلات لم تحتفل به مطلقا، ويعتبر هذا العدد ضعف ما كان عليه الأمر قبل عقد من الزمن. كما شهد طرفا الجالية اليهودية، من الإصلاحيين والمحافظين، خسارة بنحو 40 ألفا من الأعضاء منذ عام 2002 ولغاية 2011؛ كما أن نحو ثلث العينة المستطلعة آراؤهم بناء على تحديدهم بالانتماء لليهودية أعربوا عن عدم ولائهم لأي من الطرفين أو بأنهم لا ينتمون لأي ديانة محددة.
أما التغيرات في عموم الجالية اليهودية الأميركية فتشير إلى أن غالبيتها لم تطأ قدميها فلسطين المحتلة – وقد تستوي الأرقام الدقيقة لزيارة "إسرائيل" عند واحد من بين كل خمسة أفراد. وهذا ما يفسر إطلاق "اليهود الإسرائيليين" تسمية أقرانهم الأميركيين بـ"اليهود غير المتفرغين." بالمحصلة فإن التباعد بين اليهود الأميركيين و"اليهود الإسرائيليين" بلغ مدى متقدما لا مثيل له في التاريخ الحديث. كان هذا الأمر من بين أحد أهداف زيارة مرشح الحزب الجمهوري ميت رومني لإسرائيل. إذ بينما يرجح تصويت اليهود الأميركيين المقيمين في الولايات المتحدة إلى جانب الرئيس أوباما، فإن اليهود الأميركيين المقيمين في "إسرائيل" سيتجهون لمناصرة ميت رومني، على الأرجح. الثابت أن أصوات اليهود في تطور مستمر. إذ بينما يخسر البعض هويته اليهودية بالاندماج في بوتقة المجتمع الأميركي، نرى ميول الآخرين إلى التيار المحافظ داخل الجالية اليهودية، والذي يعد حديث السن في التصنيف الديموغرافي. وعليه، باستطاعتنا القول إن نصيب الحزب الجمهوري من بين أوساط اليهود سيتعاظم في العقود القليلة المقبلة.