إن ما يتوهمه الناس من فروق فردية بين النساء والرجال مرده إلى الظروف الاجتماعية التي طغت على حياة كل منهما. إن هذا يفسر بأن التمايز بين النساء والرجال سببه سن قوانين لإقرار عجز النساء وعدم أهليتهن، بينما كان من العدل والطبيعي أن يمضي كل منهما إلى حيث تؤهله قدراته، وهي المحك الحقيقي في مسألة الأهلية، ومن ثم فإن التعامل مع المرأة انطلاقا من هذا المعنى يحتاج لوقفة تأمل وإعادة قراءة لواقع الحال.

إن النساء كائنات إنسانية مفكرة، ولسْن كائنات بيولوجية، وبما أن الحرية التي تنشدها إحداهن هي الحرية التي منحت لها باعتبار الناس يولدون أحرارا فإنه ينبغي الحصول عليها وتحويلها إلى واقع أو منهج حياة يسهم في بناء الإنسان الحر، هذا الإنسان/ المرأة التي طالما تطلعت للمعنى السامي للحرية.

إن النساء بحاجة ماسة إلى من يعلم المجتمعات التي يعشن ضمنها كيف يتعاطون بشكل سليم وواع مع هذه الحرية التي تنشدها النساء، فهن أكثر حاجة إلى من يفسر لهن هذه الحرية ومدى أهميتها، ولأننا تعبنا من الوعظ الفوقي فإننا نريد أن نحيا ضمن الحياة الاجتماعية كما ينبغي لطبيعة الواقع الإنساني وليس لشيء آخر لا يشبه الحرية.

إن العبرة في تحويل بنية هذه الحرية إلى واقع حياة أو منهج حياة منفتح وعصري، تتمثل في السمات الحية التي بحاجة لأن تكون جزءا من حياة النساء، لذلك نجد أن الإنسان في الأمم المتقدمة والتي عرفت الحرية تنظيرا واستوعبت فلسفتها انعكس ذلك عليها في تحولات فكرية واجتماعية كبيرة، بعكس ما يحدث في نساء "حريم" الرجل الشرقي.

الحق في الحرية الذاتية يشكل النقطة الحاسمة التي تجسد اختلاف الأزمنة الحديثة عن العصور القديمة، فالحرية صفة فطرية إلهية وأساسية للإنسان ينبغي أن تكون واقعا غير قابل للسلب وغير قابل للتصرف، ولهذا تظل روحه تتوق للحرية أينما كان، وكيفما كان.

إن فكرة الحرية التي تطلبها المرأة المعاصرة ليست واضحة أو مفسرة كما هي في حقيقتها، وليست تؤخذ بقدر من الجدية، خاصة في مجتمعنا الذي يقوم على العرف الاجتماعي والأبوي.. وهذا الأمر ليس نتيجة أفكار اجتماعية حدثت فجأة أو في وقت قريب، بل إنه متجذر في العقول والأفكار منذ أمد بعيد، حيث وجدت المرأة نفسها في حالة، نفسية، اجتماعية، قانونية.. لرجل ما، تبعا للقيمة التي يضفيها عليها، وغدت منطلقا لعمليات تمييز لا تحصى على حساب النساء في كل دوائر الحياة الاجتماعية. والتبريرات التي تنطوي على هذه التمييزات جزء لا يتجزأ من القوى المسيطرة التي تعاقبت عبر التاريخ.