لا هوية ولا أسرة ولا أقارب؛ هكذا حال 5 أطفال سعوديين وجدوا أنفسهم في مسكن بإحدى عمائر الأوقاف بالطائف، والدهم تخلى عنهم منذ زمن وانتقل إلى العيش في مكة المكرمة، أما والدتهم غير السعودية فتم القبض عليها من قبل الجوازات وكانت لا تحمل هوية فتم توقيفها في سجن الترحيل منذ رجب الماضي.

حال الأطفال الذين شكلوا أسرة بمفردهم كان مثيرا للشفقة وقد قيض الله لهم سيدة سعودية تقطن في شقة مقابلة لمسكنهم، تعاطفت كثيرا مع حالهم وسعت جاهدة لكي تساعدهم في حل معاناتهم ولكن دون جدوى.

"الوطن" زارت الأطفال الخمسة في منزلهم بحي الشهداء الجنوبي والتقت بأكبرهم "رياض" الذي لم يتجاوز عمره (14عاما)، وتحدث عن قصته وأشقائه منكسرا قائلا: "منذ زمن طويل نعيش بدون والدنا الذي تركنا لعواصف الحياة وملماتها، وكانت والدتنا هي المعين لنا بعد الله في تحمل العيش وشظفه، لكنها خرجت في شهر رجب الماضي ولم تعد". في تلك الأثناء أخذ الأبن الأصغر "راكان" يصدر أنينا دون بكاء لمجرد أن سمع ذكر والدته، وبينما هو كذلك التقطت جارتهم "أم أصيل" الحوار لتشرح قصتهم، وقالت: "إنها جارة لهم وتعاطفت مع حالهم فأشرفت عليهم بعد غياب والدتهم"، وذكرت أن والد هؤلاء الأطفال الخمسة سعودي الجنسية، وتزوج من سيدة نيجيرية تدعى زينب ولم يوثق ذلك الزواج في المحكمة، وأنجب من زينب 5 أطفال أكبرهم رياض ويبلغ من العمر (14 عاما) ويدرس بالصف الرابع، وأصغرهم "حورية" تدرس الآن بالصف الأول الابتدائي، وجميع الأطفال الخمسة ليس لديهم أي أوراق ثبوتية أو سجلات مدنية تحمل أسماءهم.

وأشارت إلى أن والدتهم كانت تقوم على رعايتهم إلا أنه تم القبض عليها من قبل الجوازات كونها لا تحمل هوية، وكانت تتسول لإطعام أطفالها، وهي الآن في سجن الجوازات منذ أربعة أشهر، علما بأن لديها أوراق تثبت بأن لديها خمسة أطفال لأب سعودي.

وقالت "أم أصيل" إنها سعت لحل معاناة هذه الأسرة واستطاعت الحصول على أمر لها بالخروج من السجن من محافظة الطائف لمتابعة أبنائها مرتين، ولكن لم تجد تلك الأوامر أي صدى من إدارة الجوازات، علما بأن المقيمين بدون إقامات يتم ترحيلهم بعد ثلاثة أيام، ولكن لعلمهم بأن تلك المرأة متزوجة من سعودي تم حجزها كل هذه المدة بينما بقي أبناؤها دون عائل.

وأضافت أنها تقوم بإعالة هولاء الأطفال وأنها تحاول قدر استطاعتها أن لا يتم حرمانهم من شيء، وقد اتصلت بوالدهم لكي يحضر لهم فكان يحضر وقتا يسيرا لا يتجاوز اليوم ثم يغيب بالأشهر والسنوات، مبينة أن حضوره لم يفدهم بشيء؛ حيث يزعم أنه ليس لديه أي أوراق ثبوتية أو سجل مدني أو بطاقة أحوال، مشيرة إلى أنه لم يتم قبولهم في المدارس إلا بخطاب من المحافظة وهم الآن يدرسون في المدارس بلا هوية.

من جهتها علقت الأستاذ المساعد بقسم علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة الدكتورة فتحية القرشي على حالة الأطفال بقولها: "تكررت مشكلة زواج بعض السعوديين المحتالين بأجنبيات وإهمال الزوجة والأولاد لعدم وجود عقوبة رادعة". مشيرة إلى أن "هناك تغطية وتدارك للخطأ بالإنفاق على الأولاد من خلال جمعية أواصر، ويعتبر الإهمال من أكثر أنواع العنف انتشارا في المجتمعات التي لم تضع تعريفا محددا وشاملا للعنف، ولم تضع عقوبات رادعة لوقفه، وغالبا ما يكون الأطفال المهملون في هذه المجتمعات ضحايا عنف أسري ومجتمعي معا".

وقال المشرف على جمعية حقوق الإنسان بمنطقة مكة المكرمة سليمان الزايدي إنه لم يكن لديه علم بهذه الحالة إلا حين عرضتها عليه "الوطن"، مشيرا إلى أنه متى تم التوصل لهذه الأسرة والحالة فإن هناك العديد من الجهات المخولة لبحث القضية وتصحيح أوضاعها بموجب الأوراق الثبوتية ونحو ذلك، ووعد بالتواصل مع الأسرة وبحث أوضاعها لمعرفة الملابسات الخاصة بالسيدة وأطفالها وقضيتهم.

من جهته علق مدير إدارة الجوازات بمحافظة الطائف العميد معيش الطلحي مشيرا إلى أن السيدة تم إلقاء القبض عليها بتهمة التسول في شهر رجب الماضي، ولا تزال في سجن الترحيل إلى هذا الوقت؛ لأنه ليس لديها الأوراق الثبوتية لها ولأطفالها. وقال إنها لا تملك أي أوراق مطلقا حتى إثبات جواز والديها، كونهما متوفيين منذ زمن.

وأشار إلى أن النظام يقتضي أن يكون إخراجها بأوراق رسمية من الأحوال المدنية ونحو ذلك، مضيفا بأن هناك عددا من الإجراءات لا بدّ وأن تتخذ بحقها إلى حين إثبات تلك الأوراق التي تدعيها على حد قولها.

وبين أنه متى تم تصحيح وضع السيدة خاصة وأن لها أطفال من أب سعودي فسيتم إطلاق سراحها، مشيرا إلى إنه لم يتم ترحيلها حتى الآن رحمة بها وبأطفالها.