مرة كنت منفعلا وأنا أسرد لأحد الأصدقاء حكاية من مشاوير التعب في الحياة، أنهيتها بعبارة (بس وسعيد سفّ الدقيق).

تطلع إليّ بمكر وسأل بظرف (مين سعيد)؟ لأواصل بمنتهى الجدية التي بدأت فيها الحكي (لا تسألني مين سعيد لأني ما أعرفه، بس أعرف دقيق الحجة المنكب) فانفجرنا ضاحكين كطفلين معا، وغدونا بلا ظلين نفكر معا أيضا.

حين أفقت من ضحكي الذي انتزعني من غم الحكاية وهمها، رحنا نسرد أمثالا ترد فيها أسماء (حليمة رجعت لعادتها القديمة) أو (ريما رجعت لعادتها القديمة) بحسب ثقافة أهلنا في الشام. وما يتردد في الثقافة الشعبية المصرية والحجازية أيضا في قولهم (ريحة أبو علي ولا عدمه) وما يقوله ( العتقية) من أهل مكة (صديق الداشر) (وعباس كباس الرز).

فصديق الداشر مثل تردده الأمهات للطفل كثير المروق من دفء البيت وصرامته. أما كباس الرز فيروى بشكل لا أعرف كثير تفاصيله أنه رجل كان مكانه المفضل دائما في المناسبات هو مطبخ الوليمة.

كانت تشغلنا في الصغر أسئلة عمن يكون صديق، أو عباس، أو حليمة، مثلما قد تشغل أحدنا في ثقافة البادية (مزنة) التي ترد في المثل (الله يرحم مزنة)، ولا أدري من هي مزنة وهل يعرفها أو يتذكرها أحد وما قصتها؟.

هناك أمثال كثيرة ارتبطت بأسماء، ومؤكد أنها جاءت من قصص حقيقية وقعت بزمن ما، زمن كانت الشفاهية فيه هي سيدة الموقف، إذ لا تدوين، فتغدو ماضية مع جراح الوقت، تسير من جيل لجيل عبر قافلة الزمن، وحين تتوقف في كل محطة يُزاد أو ينقص من تفاصيلها، حتى تدخل أجواء الأسطورة، وهكذا هو تاريخ البشرية منذ أن سقطت التفاحة.

ولأني أعرف أن لدارة الملك عبد العزيز مشروعا جبارا وجميلا في تجميع وتوثيق الحكايات الشعبية وتسجيل التاريخ الاجتماعي للبلد من أفواه الناس، لا أتردد في توقع أن الدارة تلتفت لأن نقرأ في نتاجها بعد انتهاء المشروع ما يجعلنا نعرف من هم هؤلاء (سعيد الذي سف الدقيق) وأبو علي برائحته التي أظن أنها زكية كنسائم صباحات الحقول وريما وحليمة وصديق وعباس، كل هؤلاء الذين يحضرون في يومياتنا عبر مراكب الأمثال، دون أن نعرف حكاياتهم بالتفصيل، لنحرق مراكبهم ونمضي نحن بمراكبنا. مراكبنا التي تشبهنا، الخالية من أي دقيق، إذ كفانا ما سففنا.