نعم أنا أزايد على مواطنة من يتخذ الفضائيات منبرا لتقطيع أوصال الوطن، وتشويه صورته، وإبراز عيوبه، وإخفاء إيجابياته.. لا نفهم لماذا تتم استضافة الضيوف على الفضائيات، أو السماح لهم بالكتابة في بعض المطبوعات، أو تناقل وانتشار آرائهم مثل النار في الهشيم فقط لأنهم شجعان، يستطيعون تقطيع أوصال الوطن بالحق والباطل.. وبمعلومات مشوهة لا تستند إلى شواهد، ولا تعتمد على حقائق، ولا تمثل ما هو موجود على الأرض..؟ وأتحدى أن يُستضاف مثل هؤلاء إذا لم يكن نهجهم النقد.. والنقد فقط.. نستغرب أن يكون الوطن في عيون هؤلاء رخيصا، مثل رخص المادة التي يقدمونها في طرحهم النقدي القاسي على الوطن، وكأن الوطن لا يوجد فيه أي إيجابية للحديث عنها غير ما يطرحونه من سلبيات، خصوصا إذا عرفنا أن جمهور تلك القنوات لا يجدون نافذة يطلون من خلالها على وطننا إلا من خلال حديث أهل الوطن عنه، والذي سيعتقدون أنه أصدق الحديث؛ لأنه شاهد من أهلها.. وهنا الكارثة.. تعتريك مشاعر الغرابة الشديدة، عندما تسمع حديثا يتضاد مع ما هو موجود على الواقع.. ولا أعرف ما هو شعور المتحدث وموقفه، عندما تقرر الجهة التي تحدث عنها طلب الرد على مثل هؤلاء (وهو حق يكفله القانون) وعلى نفس المنبر، وتبين تلك الجهة بالشواهد والأدلة والصور والفيديو بطلان ما ذهب إليه ذلك المتحدث ودحض حجته.. ولا أدري كيف يجرؤ أي متحدث أن يتحدث بما لا يعرف، ولا تكون لديه المعلومات الكافية، والدليل القاطع على صدق ما ذهب إليه.. ولا أدري إن كان لا يعرف مثل هؤلاء أن هناك أخلاقيات لكل مهنة.. وأن أبسط أخلاقيات المنابرـ مهما كان نوعهاـ أن تكون للمتحدث دراية ومعرفة ومعلومات عن الموضوع الذي يريد التحدث فيه.

مثل هؤلاء هم عبء على أنفسهم، وعبء على المجتمع، وعبء على الوطن؛ لأن كل ما يقومون به من إنجاز هو النقد.. والنقد السلبي الذي لا يستند إلى حقائق، والنقد الذي يسر العدو ويغضب الوطن.. النقد غير الموضوعي الذي لا يقدم البدائل.. النقد الذي يحقق الإثارة بهدف رفع شعبية المنبر الذي يتحدث منه، قناةً كانت أو غيرها..النقد الذي يشوه الصورة، ويهيج الرأي العام.. النقد الذي لا فائدة واحدة منه.

مثل هؤلاء لهم عيون لا ترى ولا تنظر إلا إلى السوءات.. وإلى الجوانب السلبية، وما اعتدنا على تسميتة "نصف الكاس الفارغ"، الذي نطلق عليه نظرة تشاؤمية.

مثل هؤلاء هم صانعوا الفشل والإحباط.. ولا إنجازات لديهم ..هؤلاء يفكرون خطأ.. ويقررون خطأ.. وليس هناك أسوأ ممن يفكر خطأ، ثم يبني قرارا على ذلك التفكير.. إنهم لا يمنعون الغير من العمل فقط.. إنهم مدمرون.

مثل هؤلاء ليس لديهم عمل، إلا مراقبة الجادين المنجزين بهدف إحباطهم، وعرقلة مشاريعهم بما قد يبدو منطقيا.. وأحيانا بلغة بليغة، ومبررات ظاهرها منطقي وباطنها فيه الشر.. كل الشر على العاملين وعلى المنجزين..إنهم عبء على المؤسسة التي يعملون فيها، وعلى المجتمع وعلى الوطن.. إنهم يعيقون مسيرته ويقفون بالمرصاد لأي تطوير أو تقدم.

مثل هؤلاء يستخدمون أسلوب التعميم، في الوقت الذي يفترض من مثلهم أن يعطوا رأيا موضوعيا مبنيا على دراية وشواهد.. وضرب أمثلة تكشف عمق المناقشة وجديتها وسعة اطلاع ومعرفة أصحابها.. مثل هذه التعميمات تقتل مبادراتنا.. وتحبط مبدعينا.. وتثبط الجادين المخلصين النشيطين.

المشكلة أن مثل هؤلاء المخربين الخبثاء.. نشطون وأذكياء في التخريب، وقادرون عليه، يمتلكون أسس وقواعد اللعبة، ويؤدونها بطريقة فاعلة ومؤثرة.. تماما مثل الشيطان مجتهد في الخبث وذكي في الشر.

إنهم موجودون، وعلى الذين يتربعون في قمم المسؤولية في الإدارات والوزارات أن ينتبهوا لهم؛ لأنهم شر ووبال عليهم، وعلى مؤسساتهم.. وعامل كبير وكبير جدا في فشل هؤلاء المسؤولين وفي رداءة إنجازاتهم كما وكيفا.. هؤلاء الأشرار متشائمون، يكرهون أنفسهم مثلما يكرهون الآخرين.. لا همّ لهم في الحياة إلا تعاسة الناس، والحط من قدرهم، والتربص بإنجازاتهم لقتلها في مهدها، كفانا الله والمسؤولين والوطن شرهم.. وجزاهم بما يستحقون، إن لم يسعوا إلى هداية أنفسهم وتغيير ما بها. لكن لماذا ينجح مثل هؤلاء ؟ وكيف يتغلبون ـ وهم قلة ـ على أصحاب الفضائل الكثر؟ كيف يتغلب المحبطون المثبطون على أصحاب الأفكار النيرة والمنجزين؟ ولعل الإجابة هي أنهم ينجحون؛ لأن المجال مفتوح لهم ممن يهدفون إلى الإثارة.. وينجح هؤلاء لأنه ليس لديهم الحس الوطني، ويجدون من يعينهم على وطنهم.. وينجح هؤلاء لأنه لا يُرد عليهم من خلال المنبر الذي تحدثوا منه بالشواهد والأدلة.. وينجح هؤلاء لأنهم نشطاء فوق العادة، وينطلقون من الخوف والذعر اللذين ينتابهم عندما يدركون أنهم لا إنجاز لديهم لوطنهم يتحدثون عنه، وأن الآخرين أفضل منهم، وهم مستعدون للمواجهةconfrontation مهما كان مستواها. وهذا الشعور الخبيث، لا ينتاب الفضلاء أصحاب الإنجازات. فطبيعتهم الفاضلة لا تسمح لهم بالمواجهة فيُهزمون. ومن مهام المسؤول الأول في أي مؤسسة أو إدارة، أن يتنبه لهذا العبث القاتل ولا يسمح به.. ولا يجب ترك الساحة لهم، لتكون لهم اليد العليا في قضيتهم الخاسرة، ولا يمكن إسكاتهم إلا بالرد عليهم من نفس المنبر بالشواهد والأدلة، وعلى الفور ومن نفس المنبر الذي يتحدثون منه.

إننا نستغرب أن يقبل مواطن الحديث عن وطنه، على منبر لا يعرف جمهوره عن وطنه إلا من خلال حديثه، ويؤخذ ذلك الحديث على علاته، بحكم أن المتحدث من أهل البيت وأنه أدرى به.. ويكيل السلبيات ويتجاهل الإيجابيات.. دون علم أو معلومات دقيقة عن الموضوع الذي يتحدث فيه.. فقط لأنه يعرف توجه ذلك المنبر ويحققه له.. ولا يعرف أن مؤهله الحقيقي الذي اُستدعي للحديث بموجبه، هو أنه يستطيع كيل السلبيات ورفع سقف النقد.. والجرأة في غير مكانها. ثم يتم الاستشهاد بحديثه فيما بعد على أنه حقيقة لا تقبل الجدل..

وطننا أغلى وأنفس من أن نبيعه برخص في المنابر.. فهل تعون؟.