تحاشى النظر إليها وإلى أطفالها الخمسة المتعلقين بتلابيب عباءتها البالية، وقال بسرعة لينفض "المولد" الذي صنعته هذه المراجعة وأطفالها:
"راتبكم التقاعدي أربعة آلاف ومئة؛ لذا ما لكم شيء عند الضمان الاجتماعي"، ردت المرأة بما ظنته سيستثنيها: "لكن والدهم معوق وعددهم ستة"، رفع الموظف رأسه بتضجر واضح: "إن شاء الله عيالك عشرة، النظام يقول ما لك شيء، يالله تفضلي عندي مراجعين غيرك"!!
قبل أن تخرج ألقت إليه بسؤال فاجع: "وين نروح؟"
إذا لم تستطع أنظمة الضمان الاجتماعي استيعاب جميع المحتاجين في المملكة، فما فائدة وجوده أصلاً؟ وبلغة المرأة الضعيفة: "وين يروحون" المحتاجون الذين غفل النظام عنهم؟
يشحذون في الطرقات، يقفون طوابير في إشارات المرور، أم يزوجون بناتهم لكهول وكبار في السن ليستطيعوا الإنفاق على بقية أفراد الأسرة من مهورهن؟!
لا أحد ينكر أن نظام الخدمة الاجتماعية قد تطور كثيراً في عهد خادم الحرمين الملك عبدالله،كما أن الملك يهدي سنوياً لهؤلاء الذين يشملهم النظام ما يعينهم في المناسبات غير ما ترصده الميزانية من مبالغ ضخمة، لكن النظام بشروطه هذه يستثني الكثيرين ويتركهم في يد الحاجة.
فتحديد راتب معين أقل من 4000 ريال دون النظر لعدد أفراد الأسرة غير عادل، فماذا لو كان عدد أفراد الأسرة عشرة وراتب والدهم التقاعدي أربعة آلاف؟ كيف يحرمون من مساعدة الضمان في الوقت الذي يحصل فيه رب أسرة آخر على راتب 3800 ريال ولديه طفل واحد؟!
أضف لذلك أنه إذا كان الأب تعرض لحادث أقعده بعد التقاعد عن التكسب وسبب له إعاقة فإنهم لا ينظرون لها في نظامهم بدعوى أن الإعاقة حصلت بعد سن الخمسين، مع أن كثيراً من المتقاعدين غالباً يعملون عملاً خاصاً كقيادة "تاكسي" أو تجارة صغيرة؛ لتعويض النقص في راتبه بسبب التقاعد، ولا يستطيع أن يعيش بهذا المبلغ الضئيل، فلِمَ تُحدد سن لحدوث إعاقة لرب أسرة يعيل أطفالها الذين - وكما درج عليه مجتمعنا من التكاثر- لا يقلون غالباً عن خمسة؟!
إن واقع الأسعار وإيجار المنازل يجعل إعادة النظر في مساعدات الضمان الاجتماعي وأنظمته ضرورة، لحاجة الملايين له كرافد من روافد الإعانة على الحياة يأخذها المواطن دون إذلال نفسه بسؤال الناس؛ لذا وجب أن تتسع هذه الأنظمة لكل محتاج، ولا تقفل بابها أمام فقير لا يجد أمامه غير باب الله سبحانه ليطرقه شاكياً له ذله وهوانه على الناس.