الوظيفة الثالثة الأساسية للجامعة هي خدمة المجتمع، وعند الحديث عن هذه الوظيفة ومدى تحقيق أهدافها في مؤسسات التعليم العالي، نجد أن هناك تفاوتا كبيرا بين هذه الجهات في مستوى ودرجة تقديم الخدمات المجتمعية، مع أن توقعات المجتمع وأفراده في هذا المجال عالية جدا، ولكن واقع ما يقدم من أنشطة موجهة للمجتمع لا يتوافق مع التوقعات المجتمعية. فنجد أن أغلب الجامعات توكل تنفيذ الفعاليات الموجهة للمجتمع – إن وجدت – لعمادات خدمة المجتمع والتعليم المستمر، وما يتم في كثير من الأوقات من أنشطة في هذا المجال، ما هي إلا اجتهادات فردية يقوم بها المسؤول الأول في هذه الوحدة، فليست هناك خطط إستراتيجية واضحة المعالم ومبنية على أسس علمية لهذا الجانب الأساسي، الذي يمثل الثلث من مهام ومسؤوليات الجامعة. وفي غياب التخطيط السليم لا نتوقع أن تقوم الجامعة بخدمة المجتمع بالشكل المطلوب.

العنصر الآخر المهم في هذا الجانب، هو أن عمادات خدمة المجتمع والتعليم المستمر اتجهت بدرجة كبيرة لتقديم الأنشطة مثل الدورات التدريبية مدفوعة الثمن، وركزت عليها بدرجة كبيرة، مع أنني أدرك أنها جزء من خدمة المجتمع بمقابل لمن يرغب في التطوير، أو الحصول على المزيد من المعارف أو المهارات في مجالات مختلفة، ولكن هناك جوانب أخرى الجامعات لم تضمنها داخل مناشطها، ولم يكن بُعد خدمة المجتمع حاضرا فيها بشكل واضح، ومن يتابع كثيرا من جامعاتنا يجد أنها أصبحت مثل بعض الإدارات الحكومية، التي ينتهي عملها بنهاية الدوام الرسمي إلى اليوم التالي، أو كمدارس التعليم العام التي ينتهي اليوم الدراسي فيها بنهاية الحصة الأخيرة. وهنا أقول: أين جامعاتنا من الجامعات في الدول المتقدمة التي لا تنام الليل، وتعمل على مدار الساعة، وتجد الحركة فيها مستمرة، ونجد أن المعامل البحثية تعمل طوال اليوم، والمكتبات الجامعية مفتوحة لروادها من الطلاب لساعات طويلة، وتعمل أغلب الكليات ووحدات الجامعات في الفترات المسائية في تنفيذ الأنشطة اللامنهجية والخدمية الموجهة للمجتمع؟. أما جامعاتنا فبعد نهاية الدوام الرسمي في الغالب لا تجد حركة بها إلا فيما ندر من بعض المقررات المجدولة في الفترة المسائية، أو طلاب التعليم الموازي الذي ظهر في هذه الأيام في عدد من الجامعات، أما الفعاليات الأخرى فهي شبه غائبة.

لذا فقد يكون من المناسب أن يتم تطوير خطط إستراتيجية تنفيذية لخدمة المجتمع لكل جامعة، مواكبة للخطة العامة للجامعة، تعمل على تحقيق رؤيتها ورسالتها وأهدافها، على أن يتم تطوير هذه الخطة بناء على احتياجات المجتمع وتطلعاته، وأن تشتمل على أنشطة وفعاليات وبرامج متنوعة، بحيث تشمل دورات تدريبية قصيرة المدى، ولقاءات وحلقات نقاش، ومحاضرات لجميع الفئات العمرية، للرجال والنساء ودون مقابل. أما ما يقدم في الوقت الحاضر فقد يكون مقصورا على دورات تدريبية موجهة لفئات عمرية محددة، وبمقابل مادي، كما أن الفعاليات الأخرى غائبة، ولذلك من الضروري أن تكون هناك لجنة في كل جامعة تعمل على تحديد الأنشطة التنفيذية وفق الخطة الإستراتيجية لخدمة المجتمع، ويكون ذلك وفقا لجدول زمني محدد، تضمن التنوع سواء في الفئات المستهدفة أو الأنشطة التي تلامس احتياجات المجتمع، وتسهم في حل بعض مشكلاته، وهذا يتطلب أن تشمل الأنشطة الجوانب الثقافية والدينية والتربوية، والصحية، والعلمية، والبيئية والاقتصادية، والتقنية.. وغيرها من المجالات على أن يتم تقييم هذه الأنشطة في مراحل مختلفة من التنفيذ.

كما أنه من الضروري أن تدرك الجامعات، أن كل ما تقوم به من أنشطة تعليمية أو بحثية أو في مجال خدمة المجتمع، يجب أن تصب في النهاية في خدمة المجتمع بمختلف مستوياته وشرائحه، وهناك مجال لا بد من تفعيله خاصة فيما يقدم للمجتمع، وهو مشاركة الطلاب من مختلف الكليات في التخطيط والتنفيذ لبعض الفعاليات؛ لأن مشاركة الطلاب قد يكون لها دور أساسي في نجاح هذه الفعاليات، ولها جوانب إيجابية على الطلاب أنفسهم، ولا يقتصر التنفيذ أو التخطيط على أعضاء هيئة التدريس أو إداريي الجامعات، فالطلاب هم مكون أساسي من مقومات الجامعة البشرية، ولا بد من الاستفادة مما لديهم بشكل مباشر، وعندما تحقق الجامعة أهداف خدمة المجتمع، فإنها بذلك تكون أقرب للمجتمع، وتخرج عن العزلة والبعد اللذين يعيشهما كثير من هذه الجامعات.