منذ عام 1370 والمسجد النبوي الشريف يشهد اهتماما وعناية، جعلت فيه مهابة روحانية تعبق في المكان، وعمارة إسلامية تخطف أبصار كل المسلمين.
قصة توسعة المسجد النبوي الشريف في عهد الدولة السعودية لم تكن حديثة العهد، فقد كان للمؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - يرحمه الله - السبق في ذلك، وكل تلك التوسعات كانت تتلمس تزايد أعداد المسلمين الذين يقصدون المسجد النبوي وزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
معالجة هبوط الأروقة
وجاءت أول أعمال الملك عبدالعزيز يرحمه الله عام 1348 لتعالج آثار التلف التي ظهرت في هبوط أرض الأروقة المطلة على صحن المسجد من جهاته الأربع، سبب عدم تصريف مياه الأمطار، ثم جاء العمل الثاني عام 1350 حيث أمر بإصلاح ما حصل من خلل في بعض الأعمدة والسواري الشرقية والغربية والصحن وذلك بوضع أطواق من الحديد على ما تلف منها، وفي 12 شعبان 1368 أعلن الملك عبدالعزيز في خطاب إلى الأمة الإسلامية عزمه على توسعة المسجد النبوي، وقد استقبل الخبر بالرضا والاستحسان في الداخل والخارج فأجريت الدراسات اللازمة لتنفيذ المشروع وبدأت الأعمال التمهيدية في الخامس من شهر شوال عام 1370 وتم شراء الأبنية والدور الواقعة في الجهات الثلاث الشرقية والغربية والشمالية، وبقي القسم الجنوبي الحالي ومساحته أربعة آلاف متر و65 مترا مربعا وبذلك أصبحت مساحة المسجد النبوي بعد هذه التوسعة 16548 مترا تقريبا.
حجر التوسعة الأولى
وفي يوم 13 من شهر ربيع الأول عام 1372 وضع ولي العهد آنذاك الأمير سعود بن عبدالعزيز – رحمه الله - حجر الأساس للعمارة والتوسعة نيابة عن المؤسس، فبدئ في حفر الأساسات ثم البناء والتشييد، واكتملت التوسعة والبناء وأقيم حفل بذلك برعاية الملك سعود في 5 ربيع الأول عام 1375 وافتتح مبنى التوسعة في حفل حضرته وفود إسلامية من مختلف أنحاء العالم الإسلامي ومن داخل المملكة وخارجها.
نزع ملكيات
ورغم ذلك فقد ضاق المسجد النبوي الشريف بالمصلين والزوار، وأصبحت الحاجة إلى توسعة المسجد النبوي أمرا ضروريا نتيجة ازدياد أعداد الزوار لما وفر لهم من الأمن والاستقرار وأسباب الراحة، فأصدر الملك فيصل بن عبدالعزيز – رحمه الله - عام 1393 أمره بتوسعة المسجد النبوي فبدئ بشراء العقارات والدور والمساكن في غربي المسجد ثم هدمت بعد نزع ملكيتها وتعويض أصحابها وأقيمت عليها مظلات مقببة بمساحة تقدر بـ40.500 متر مربع، وجهزت بما يلزمها وهيئت للصلاة فتوسع المسجد واستفاد منه جموع المصلين في المواسم والجمع والأعياد.
حريق الجهة الجنوبية الغربية
وفي عهد الملك خالد، وقع حريق في المنطقة الواقعة في الجنوب الغربي من المسجد فأزيلت الأبنية الواقعة فيها وعوض أصحاب العقارات، وضمت إلى ساحات المسجد النبوي، وظلل منها مساحة قدرها 43 ألف متر مربع وذلك عامي 1398-1399.
توسعة كبرى
وفي عهد الملك فهد بن عبدالعزيز - يرحمه الله - جرت توسعة كبرى للمسجد النبوي الشريف وطور من نظام المنطقة المركزية وربطها بشكل مناسب مع بقية أجزاء المدينة المنورة، وجعل المسجد النبوي الشريف يمثل في توسعته الجديدة قلب المخطط التنظيمي الشامل الذي تم وضعه للمنطقة المركزية ضمن الطريق الدائري الأول وتم وضع التصاميم وإعداد المخططات اللازمة لنقل هذه الفكرة إلى حيز التنفيذ.
ففى يوم الجمعة التاسع من شهر صفر عام 1405 وضع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حجر الأساس للتوسعة التي فاقت كل التوسعات السابقة، وقد بدأ العمل في هذا المشروع الضخم في السادس من شهر محرم عام 1406.
وتضمنت توسعة وعمارة خادم الحرمين الشريفين للمسجد النبوي الشريف إضافة مبنى جديد بجانب مبنى المسجد القائم يحيط به متصلا من الشمال والشرق والغرب بمساحة قدرها 82 ألف متر مربع تستوعب 150 ألف مصل لتصبح المساحة الإجمالية للمسجد بعد التوسعة 98 ألف و500 متر مربع تستوعب حوالي 180 ألف مصل وبذلك أصبح المسجد النبوي الشريف بعد التوسعة يستوعب أكثر من 270 ألف مصل ضمن مساحة إجمالية معدة للصلاة تبلغ حوالي 165 ألف و500 متر مربع.
كما تضمنت أعمال التوسعة إنشاء (دور سفلي) بمساحة الدور الأرضي للتوسعة لاستيعاب تجهيزات التكييف والتبريد والخدمات الأخرى بمساحة 82 ألف متر مربع.
كما اشتمل مشروع التوسعة على ساحات تحيط بالمسجد بلغت مساحتها حوالي 235 ألف متر مربع منها حوالي 45 ألف متر مربع أرضيتها مكسوة بالجرانيت وفق أشكال هندسية بطراز إسلامي وألوان متعددة في غاية الجمال وهي مخصصة للصلاة وتستوعب حوالي 430 ألف مصل.
وبهذا تصبح طاقة التوسعة الاستيعابية أكثر من 730 ألف مصل وتصل إلى أكثر من مليون مصل في أوقات الذروة وقد ألحقت بهذه المساحات المخصصة للمشاة فقط مداخل مضاءة للمواضي.
وتتصل بعض الخدمات بمواقف السيارات التي توجد في دورين تحت الأرض من الجهات الشمالية والجنوبية والغربية وتبلغ مساحتها 290 ألف متر مربع وتشتمل على مواقف تكفي لاستيعاب أكثر من 4000 سيارة وتم تنفيذها على أفضل المواصفات العالمية.
مشروع المظلات
وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز صدر أمره عام 1426، باستكمال الأعمال المتبقية من مشروع توسعة المسجد النبوي الشريف ويشتمل المشروع على تركيب 182 مظلة تغطي جميع مساحات المسجد وذلك لوقاية المصـلين من حر الشمس ومخاطر الأمطار وتكون المظلات مجهزة بأنظمة لتصريف السيول وبالإنارة وتفـتح آليا عند الحاجة، وتغطي المظلة الواحدة 576 مترا مربعا استفاد منها عند انتهائها نحو 200 ألف مصل، إضـافة إلى تنفيذ الساحة الشـرقية للمسـجد النبوي الشـريف وتبلغ مساحتها 37 ألف متر مربع استوعبت عند انتهائها نحو 70 ألف مصل وستنـفذ تحـتها مواقف للسيارات والحـافلات تسـتوعب 420 سيـارة و70 حافلة كبيرة، كما اشتملت الأعمال المنفذة على تنفيذ دورات مياه مخصص معظمها للنساء ومواقف مخصصة لتحميل وإنزال الركاب من الحافلات والسيارات، إضافة إلى تنفيذ مداخل ومخارج مواقف السيارات بالمسجد النبوي، واشتمل ذلك تنفيذ 3 أنفاق لربط مواقف السيارات بطريق الملك فيصل، الدائري الأول.
وأتى أمر الملك عبدالله بن عبدالعزيز بتنفيذ توسعة كبرى للحرم النبوي الشريف لتستوعب نحو 1.6 مليون مصل ليؤكد اهتمام الـدولة السعودية بـكل ما يخدم الإسلام والمسلمين وزوار الحـرمين الشريفين بما فيها مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مصنع للحجر الصناعي
ولتلبية احتياجات المشروع من الأحجار الصناعية تم إنشاء مصنع للحجر الصناعي على بعد 20 كيلومترا من المدينة المنورة، لتغطية حاجة المشروع التي تزيد عن نصف مليون حجر، عبر 16 خط إنتاج آلي، تستقي موادها الأولية من مصادر محلية داخل المملكة، وتعد طرق الإنتاج المعتمدة في المصنع الأولى من نوعها في العالم، على المستوى التقني والتصنيعي.
وتضيف مباني الخدمات تحت أرض المشروع إبداعات هندسية غير مسبوقة حيث يقوم مبنى مواقف السيارات تحت ساحات المسجد النبوي باستيعاب نحو 4200 سيارة، على مساحة إجمالية قدرها 292 ألف متر مربع، موزعة على طابقين تحت الأرض، ويرتبط المبنى بالطرق الرئيسية المؤدية إلى الحرم النبوي عن طريق 6 مداخل ومخارج، ثلاثة للطابق العلوي، وثلاثة للطابق السفلي، كما يشتمل مبنى المواقف على 15 مبنى للخدمات، يتألف كل مبنى من أربعة طوابق، تتوافر على 5750 وحدة وضوء، و700 نافورة لمياه الشرب، و1900 دورة مياه، و30 سلما ثابتا، و11 سلما كهربائيا متحركا موزعة على 30 مدخلا تصل مواقف السيارات بالساحات المحيطة بالحرم الشريف.
فتح أبواب المسجد النبوي
لم يكن يوم 29 رمضان 1428، يوما عاديا في نفوس الملايين من المسلمين بشكل عام، وأهالي المدينة المنورة بشكل خاص، ففي ذلك اليوم كان للملك عبدالله بن عبدالعزيز وقفة لن تنسى، والتي جاءت ملبية لتطلعات وأمنيات ملايين المسلمين، بعد أن أمر بأن تبقى أبواب المسجد النبوي مفتوحة طوال العام وعلى مدار الساعة، وليس اقتصارا في العشر الأواخر من رمضان، مراعيا بذلك التوسع الكبير في أعداد الزائرين للمدينة المنورة، ومزيحا طول الانتظار الذي كان يعاني منه الكثير من المسلمين أثناء إقفال أبواب المسجد النبوي من بعد صلاة العشاء حتى قبيل صلاة الفجر.
فعلى الصعيد الاقتصادي استبشر المستثمرون في المنطقة المركزية بذلك القرار، الذي سيساهم في تغطية تكاليف الإيجارات المرتفعة في المنطقة، خاصة أن فتح أبواب المسجد النبوي سيجعل حركة الزوار مستمرة على مدار الساعة، ولاسيما في ظل تنامي عدد الزائرين القادمين لأداء العمرة والذين يقدرون بأكثر من ثلاثة ملايين نسمة، إضافة إلى بدء تشغيل مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز الدولي وفتح مجالاته أمام الرحلات الدولية اليومية التي تصل إلى 60 رحلة يومية في موسمي الحج والعمرة.
توسعات قبل الدولة السعودية
بني المسجد النبوي السنة الأولى للهجرة، وتمت توسعته من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم بعد عودته من خيبر في السنة السابعة للهجرة وزاد عليه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام 17.
ثم تمت توسعة المسجد النبوي في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه عام 29، ثم وسعه الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك خلال السنوات 88 - 91، ثم زاد عليه ووسعه الخليفة العباسي محمد المهدي ما بين 161 – 165، ثم تمت توسعته في عهد السلطان أشرف قايتباي سنة 888، ثم في عهد السلطان العثماني عبدالمجيد مابين 1265 – 1277.