إذا تجاوزنا أزمة البعض مع التصنيف، إن كان ضده أو معه، نتفق على أن مجتمعنا ليس طيفاً واحداً، والسواد الأعظم فيه بينهم من المشتركات والقواسم المشتركة ما لا يتسع المجال لذكرها..لكنهم أغلبية صامتة، مهتمة بالسكن والصحة والبطالة وهموم تعليم الأبناء وتزويجهم إلخ.. مفردات الحياة الكريمة.. ومهما تتباين آراؤهم، يجمعون على البيعة للملك ـ حفظه الله ـ وولي عهده الأمين، والوطن مهما يستشعرون التباين التنموي فيه لا يساومهم أحد على ذرة من ترابه.

على هامش أطياف المجتمع والحياة الاجتماعية وصعوباتها وتحدياتها، لدينا أبرز التيارات اثنان منها "إسلاموي، وليبرالي"، أقول "إسلاموي" لأنه يجسد المسلم المنتمي إلى طيف مؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة مطيته الدين الذي سيوصله إلى مطامعه، يفتقر إلى المشروع الثقافي والوطني. لم يستفد المجتمع منه على صعيد التنمية وتعزيز الانتماء الوطني، هناك حتى يومنا هذا من يحذر من الاحتفال بيوم الوطن ويحشد الناس ضده..!

الليبرالي اختار أن يقدم نفسه مدافعاً عن الحريات مناديا بالحقوق..إلخ، لكنه فشل في تقديم مشروع ثقافي وطني يثبت جدوى التنظير، يشغل فراغاً ويحدث فرقاً ملموساً، ويسهم في تشكيل الوجدان الوطني يذيب الحدود الجغرافية وعقدة المناطقية والعشائرية والمنتمي وغير المنتمي إلى قبيلة..إلخ..القضايا الجدلية..كما فشل رجال الاقتصاد السعودي ومن ينعت بالمنفتح من رجال الأعمال، وسقط في أول امتحان عندما وصلت قوافل التنمية واستحقاقات المواطنة، وشروط السعودة إلى أعتاب بابه ولا يزال السقوط مدويا..

التياران المتأسلم والليبرالي لا نزايد على وطنية المنتمي إليهما للوطن، ومع الأخذ في الاعتبار التباين في داخل كل طيف ودرجات التشدد، إلا أننا في الوقت نفسه نريد حق الوطن عليهما والتوقف عن اختطاف القضايا الاجتماعية، فالمرأة اليوم تعمل على قضاياها، والشباب لا يوفرون منبراً إلا وطبعت بصماتهم فيه..والوطن يحتاج وحدة صف وشراكة تنموية واجتماعية..هذا ليس زمن الردح في وسائل التواصل الاجتماعي، وتشويه الوطن، ومن يطالب الدولة بالحقوق نطرح عليه السؤال: أين مشروعك الثقافي، والوطني..؟!، وماذا قدمت..والمتحولون من متأسلم متطرف إلى ليبرالي..ماذا قدمت بعد اكتشافك الطريق الآخر..!

هذه حقيقة، علينا الاعتراف بوصولها إلى مرحلة الذروة: "التيارات تتطاحن والمجتمع وتنميته ضحية" بات من الضرورة إعلان إفلاس المصنفين هنا بأن تاريخهم لم ينتج مساهمة ملموسة في التنمية ولا ارتقاء بالناس ولا "معرفة وتعريفا" بمقدراتهم التاريخية والوطنية، ولم يزرع ثقة وولاء وطنيا وكرس تفريغ حلقات المجتمع وجدانياً وإنسانياً وإبداعياً. عن التغريبي وعقدة "الآخر الأفضل".. للحديث بقية.