حقوق المرأة عند الغرب ليست هي نفسها لدينا، بل إنها تختلف ولا يمكن اختزال تلك الحقوق في ممارسة معينة، ولكن إذا أردنا أن نحدد ماهية تلك الحقوق، فما الأصول التي يمكن من خلالها تحديد الحقوق؟.
إذا نظرنا إلى الغرب، فإن الحقوق تطورت تدريجيا نحو الانفتاح، ولكن ما المعايير التي من خلالها يُحددون تلك الحقوق؟ لا شك لدي أن العرف هو من أهم المُحددات والمعايير المؤثرة لديهم. وباستعراض أهم الحقوق التي تنص عليها وثائقهم القانونية، نجد كثيرا منها يدعو إلى العدالة والإنصاف للمرأة، كما يسعى لتقوية جانبها تجاه الرجل كونها الطرف الأضعف. إلا أننا إذا تأملنا في العديد من الممارسات التي يسمح بها القانون هناك، نجد فيها ما يتعارض مع كرامة المرأة وإنسانيتها!، فعلى سبيل المثال، توجد لديهم الكثير من الملاهي الليلية التي تستأجر النساء ليعرضن أجسادهن ومفاتنهن أمام الرجال بشكل مهين بكل ما تعنيه الكلمة من معنى!، ولا يمكن أن تقبل امرأة شريفة بمثل هذا العمل!، إلا أنه يوجد لديهم بكثرة، ويسمح القانون بامتهان المرأة واستغلالها كسلعة لجذب الزبائن بالرغم من أن في ذلك امتهانا وسحقا لكرامة وشرف تلك النسوة اللاتي يعملن ربما بدافع الفقر والعَوَز! وهذا بغض النظر عن عدد من الدول الغربية التي تسمح بدُور البغاء والدعارة!.
إذا عدنا إلى التساؤل السابق، ما معايير حقوق المرأة إذاً؟ لا شك أن العرف ورغبة الناس لها تأثير كبير في تحديد تلك المعايير!.
لننتقل إلى مجتمعاتنا الإسلامية ونطرح التساؤل ذاته: هل العرف له دور كبير في تحديد حقوق المرأة؟
لنستعرض بعض الممارسات التي حصلت في القرن الماضي إلى يومنا هذا، سنجد تطورا وتغيرات كبيرة في تفسير هذا المصطلح (حقوق المرأة)، بالرغم من أننا كمسلمين يوجد لدينا الأصول العامة التي تحكم هذا الموضوع، والتي هي ثابتة من عند الله ولا تقبل التغيير، إلا أن تفسير تلك الأصول اختلف وتطور كثيرا. فلم تعد فكرة تلك المرأة العربية التي يغلب عليها الجهل والاستضعاف مقبولة، وخرجت الكثير من الفتاوى التي تحارب حصول المرأة على بعض أشكال حقوقها، مثل الدراسة والعمل وغيرها، وكان هذا بدعوى تفسير الإسلام. ولكن ولله الحمد بعد انتشار العلم والوعي اندثرت مثل تلك الآراء، وإن كان لا يزال يوجد البعض منها حتى الآن.
إذاً السؤال؛ هل الدين تغير؟ بلا شك أن الدين ثابت، ولكن أفهام الناس هي التي تتغير، ومن أهم المعايير التي أسهمت في هذا التغير العرف، واعتياد الناس على ممارسات جديدة!.
الحقيقة أننا ما زلنا في وضع متأخّر جدا في مجال حفظ حقوق المرأة، وكل يوم نسمع بمآسٍ وقصص لنساء يقعن ضحايا عنف آباء أو أزواج أو إخوان، وللأسف يناكف البعض ويجادل بدعوى أن هذا يفتح الباب نحو تحرير المرأة وانفتاحها كما حصل في الغرب!.
ومع التأكيد على أهمية الحفاظ على قيمنا وديننا الحنيف، إلا أن هذا المنطق لدى البعض يخالف حتى مبادئ الإسلام!. فالعدل واجب حتى مع غير المسلم!، كما أن تحريم الحلال أشد عند الله من تحليل الحرام!، ولا يجوز أن نترك الظلم بدعوى أن هذا قد يفتح الباب لأمور قد نختلف في حرمتها!، كما لا يجوز أن نخلط بين عاداتنا التي تعارفنا عليها وبين الدين المحكم الذي لا يقبل التغيير والتحريف!، ومن أكثر الممارسات المشينة لدى البعض عندما يتحدث عن آرائه الشخصية ويصفها بأنها الإسلام!. وإذا كان الهدف خالصا لله تعالى فلمَ لا نحافظ على حرمة دين الله بأن نُجنّبه الاجتهادات الظنّية التي تقبل الخطأ والصواب!
رأينا تجمع بعض المتحمسين عند الديوان الملكي، وكيف أن خطابهم كان متشنجا تجاه عدد من القضايا كان على رأسها مجرد دخول المرأة مجلس الشورى!، حيث يعتبرونه محرما لوجود الاختلاط، ولم يُلقوا أي بالٍ بآراء الكثير من العلماء الذين يبيحون ذلك. وبتفكيك هذه الفكرة، فإنها تظهر وبوضوح أنها بُنيت على فكرة اجتهادية مبنية على مسألة اجتهادية أخرى أيضا!. فالاختلاط كما سبق أن كتب فيه الكثير، وكذلك كتبت فيه بعنوان "الاختلاط المحرم والاختلاط المباح" ليس محرما في ذاته، وإنما المحرم هو الخلوة أو الاختلاط المؤدي لمفسدة مؤكدة فقط، وليس كل اختلاط محرم بإجماع علماء المسلمين، إلا أننا إذا راجعنا التاريخ القريب، وجدنا هذه الصورة تتكرر عند كل خطوة في هذا الاتجاه، بدءا من تعليم المرأة!.
مهما حاولنا أن نجد لهذه التصرفات من تفسير، فإننا سنعود إلى إرجاعها للعرف الذي اعتاد عليه هؤلاء واختلاط مفهومه بالدين!.
لماذا لا نسمع تلك الخطابات الثائرة في مواضيع كثيرة لا يختلف فيها اثنان أنها من الظلم البيّن الذي حرمه الله تعالى على نفسه فضلا عن عباده؟. أين جهود هؤلاء المحتسبين في حفظ الحقوق التي أمر الله بحفظها وصيانتها؟
ولكن التحدّي الحقيقي هو في اختبار النفس وشجاعتها تجاه مراجعة أفكارها وتجرّدها في تنقيحها وإعادة النظر فيها، فهل سيأتي يوم نتمكن فيه من الفصل بين ما هو عادة وما هو دين فعلا؟.