على مر العصور نادراً ما يتم النظر إلى مظهر المرأة بشكل محايد، مهما تحقق من إنجازات، غالباً ما يكون شكلها الخارجي محاطاً بالكثير من الاهتمام، الذي بدوره ينعكس على تصنيفها أخلاقياً، مما يؤثر على تعاملاتها في الحياة.
فتقييم المرأة يتم وفقاً لطريقة حجابها وكيفيته، أو طريقتها في ارتداء عباءتها، أو لأي شيء يخص شكلها، هذا التقييم ليس حقيقياً أو صادقاً، وهذا ينطبق على الجميع رجالاً كانوا أو نساء، فما بالك لو تم تقييم المرأة والحكم على أخلاقها من خلاله ـ أي من خلال الشكل أو المظهر ـ؟
المشكلة تكمن في من يطلق الأحكام المسبقة على المرأة من خلال النظر إلى ظاهر الأمور، سواء من خلال الحديث أو ردة الفعل أو الشكل، فهي ليست معايير تعطي الحق في "القذف" أو "الافتراء" أو "السب" والتعميم بشكل عام غير مقبول. وأذكر هنا قصة السيدة عائشة رضي الله عنها عندما رحلت عنها القافلة دون أن يشعر الركب بعدم وجودها معهم وتركوها ـ رضي الله عنها ـ وحيدة في طريق خالٍ، إلى أن وجدها الصحابي صفوان بن المعطل ـ رضي الله عنه ـ فأركبها بعيره حتى أوصلها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فحينها أصدر المنافقون أحكامهم، من غير معرفة أنها ـ رضي الله عنها ـ غادرت هودجها في وقت الاستراحة وانسل عقدها من عنقها فأخذت تبحث عنه، وعند عودتها كانت القافلة قد رحلت، فأنزل الله بأمرها إحدى عشرة آية إثباتاً لبراءتها وتقواها في قوله تعالى: (إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئٍ منهم ما اكتسب من الإثم والذي يتولى كِبْرَهُ منهم لهُ عذابٌ عَظيم) النور/11.
يتبين هنا أن الإشكالية ليست في المرأة، لكن في من يحكم بالظاهر دون أن يحسن الظن، أو في معيار ثقافة بالية ما زالت موجودة، ومع الأسف أن المجتمع لا يستطيع أن يتوقف عن إطلاق الأحكام المسبقة على المرأة، ولذلك نحتاج إلى جهود الجميع في التوعية والثقة في المرأة واحترامها كإنسان حر عاقل مكلف، وعلينا تقبل الآخر كما هو، وعدم الحكم الأخلاقي المسبق على المرأة من خلال شكلها الظاهري أو من خلال ما يؤمن به أو يعتقده الشخص، وذلك يحتاج منا إلى احترام حرية الآخرين الشخصية وإلا فستذهب جهودنا في جدال عقيم لا فائدة ترجى منه وسنعزز "رداء السلطة"، وهو مصطلح ظهر لأول مرة في الثمانينات، يشير إلى الأردية ذات بطانة الكتف المبالغ فيها والتنورة التي تلبسها سيدات الأعمال الأميركيات لكي يصبحن أكثر "بروزاً" في مكان العمل.
فهذا المصطلح "رداء السلطة" لا يقتصر على معنى السلطة والقوة والقيادة فقط، بل أكثر من ذلك، هو شيء يمكن الحصول عليه، ترتديه المرأة أحياناً ويمكن نزعه، فهو يشبه الدرع، يتغير عبر الأزمان والثقافات. ففي عام 1236 كانت "رضية إلتوتميش" أو "سلطانة رضية" وهي من سلالة المسلمين ذوي الأصول التركية الذين فتحوا الهند في القرن الحادي عشر، وهي كذلك المرأة الوحيدة في التاريخ التي تم تتويجها بسلطنة دلهي، وأول حاكمة مسلمة أيضا في جنوب آسيا؛ كانت تتحاشى ارتداء الأزياء النسائية، وكانت رضية تفضل ارتداء الأردية الطويلة وأغطية الرأس الخاصة بالرجال "العمامة"، ولم يغير ذلك من كونها امرأة مسلمة و"سلطانة".
فعلى من يرغب في الحكم على المرأة من خلال مظهرها أن يتذكر قوله تعالى: (يا أَيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إِن بعض الظن إِثم، ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا، أَيحب أَحدكم أَن يأكل لَحم أَخيه ميْتا فَكرهتموه واتّقوا الله إِن الله تواب رحِيم) الحجرات/12.