التنافس الآن بات قائما على فكرة التمثيل، من الذي يمثل المجتمع؟ ومن الذي لا يمثله؟. هذه المعادلة ليست مطلقة بل تحتاج لكثير من الضبط، فالذين ظلوا يتحدثون لسنوات عن الرغبة الاجتماعية والقبول الاجتماعي، إنما أخذوا بهذا المبدأ كنوع من احتكار الصواب، والاستدلال عليه بأنه جماهيري ومجتمعي وعام، وحين تُطرح أي قضية من القضايا ذات البعد الحقوقي، يتحدثون عن مدى القبول والرفض الاجتماعي، علما أن الحقوق لا تخضع لمنطق الأغلبية والأكثرية، بل تخضع لمنطق القانون والنظام.

تمثل النخب في كل مجتمع طبقة ذات مسؤولية أخلاقية وثقافية واجتماعية واسعة، سواء أكانت نخبا اقتصادية أم ثقافية؛ لأن ما بين يديها من مقدرات - كيفما اختلف نوع تلك الشريحة – يجعلها قادرة على التأثير في حياة العامة، هذا ليس تقسيما فئويا، بل هو انطلاق من واقع يؤكد دائما ـ وفي كل المجتمعات ـ أن ثمة مستوى من التأثير والتأثر، يُتبادل بين مختلف شرائح المجتمع. يمكن أن تنهار بعض النخب نتيجة طفرة الاختراعات والوسائل الحديثة، لكن هذا لا يلغي دورها وموقعها التأثيري، كما حدث مع النخبة الإعلامية التي انهارت بمجرد ظهور وسائل التواصل الحديثة، التي حولت كل فرد إلى وسيلة إعلامية مستقلة.

في التعيينات الأخيرة التي شهدها مجلس الشورى، دخلت ثلاثون امرأة للمجلس، في تفعيل للقرار الملكي الذي حملته كلمة خادم الحرمين الشريفين، في افتتاح أعمال الدورة الماضية للمجلس، وما تضمنه ذلك من تعديل في نظام المجلس، يقضي بأن تُخصص نسبة منه للنساء.

بعد التعيين أخذت النغمة التقليدية التي ترفع الممانعة المستمرة من كل جديد في واقع المرأة أخذت ترفع صوتها على مستويين: المستوى الأول الوقوف ضد فكرة التعيين أصلا، وتبني مختلف المقولات التي ترى في ذلك إخراجا للمرأة من موقعها الذي اعتادت عليه الذهنية التقليدية، واعتادت الدفاع عن كل تغيير فيه، علما أن دخول المرأة للشورى أمر حتمي وواقع تفرضه مختلف التحديات، وجزء من السلوك الطبيعي للدولة الحديثة، التي لا تفرق في أنظمتها وقوانينها بين الرجال والنساء؛ لأن الجامع الأبرز هو المواطنة، علاوة على أن ما كان مقبولا في فترة ما لا يمكن أن يظل مقبولا طيلة الزمن.

المستوى الثاني: وهو خاص بمن يريدون أن يجملوا خطابهم التقليدي بمسحة حقوقية، إذ اتجهوا إلى رفع شعار أن من هن معينات في المجلس لا يمثلن نساء المجتمع. هذه المقولة ـ وبرغم ما تحويه من مجانية ـ فهي يمكن أن تنسحب على مختلف من يُعينون في المناصب الوزارية والشرعية وغيرها. بمعنى أنه بإمكان أي فرد أن يرفع صوته، بأن من عُينوا في هذا الموقع أو ذاك لا يمثلونه. والتعيين في أصله لا يقوم على فكرة التمثيل من خلال الأصوات، بل التمثيل من خلال التنوع والكفاءات والمقومات، التي تحملها الشخصية المعينة في منصب أو في مجلس. مما يعني أن فكرة التمثيل ليس هذا مكانها ولا موقعها. وبالتالي فاستخدامها هو نوع من التشويش المبطن من قبل أرباب الممانعة إذن منهم من ظل على رفضه المطلق، ومنهم من جعل القبول لديه مشروطا بكون المعينات يمثلنه هو، أي بمعايير الكفاءة التي يراها هو.

إن النساء اللواتي عُينّ في مجلس الشورى، يمثلن في الحقيقة تنوعا سعوديا، يكاد يغطي مختلف الجوانب التي لا بد من مراعاتها أثناء السعي لإيجاد تمثيل حقيقي لمختلف الشرائح الاجتماعية. تماما كما هو الحال أثناء تعيين الرجال في مجلس الشورى، أي أن يكون شاملا لمختلف مناطق المملكة. ولمختلف التوجهات العلمية والتنموية التي يعمل عليها المجلس، اقتصادية وتعليمية واجتماعية، وفي مختلف المجالات. أما التنوع على مستوى التيارات الفكرية، فلا يجب أن يمثل عاملا في مسألة التعيين؛ لأن الدولة إنما تتعامل مع مواطنين، وليس مع ممثلي أحزاب.

أستطيع أيضا القول: إن من يجوبون الوزارات في لقاءات وزيارات المناصحة، لا يمثلون الشارع السعودي، وإن الذين يتجمعون أمام الوزارات والدواوين أيضا لا يمثلون الشارع، بينما يمكن لأي أحد أن يقول لي: إنهم يمثلونه، وهكذا فاللعب على حبال التمثيل الشعبي مسألة لا يمكن ادعاؤها من قبل تيار أو جهة.