أكد العلامة اللبناني السيد علي الأمين إن سياسة المملكة وقيادتها تجاه القضايا العربية كانت ولا تزال تلقى الاهتمام الكبير من خلال عملها على إصلاح ذات البين والبعد عن الصراعات والفتن الداخلية بين الإخوة، مشيرا إلى أن "ما ينقذ اللبنانيين من الفتنة والصراعات هو قيام الدولة اللبنانية ببسط سلطتها على كامل أراضيها؛ بحيث تكون هي وحدها المسؤولة عن الأمن وغيره من الشؤون التي تقوم بها الدول في أوطانها وشعوبها". ورأى أن "لا مبرر للخوف على الشيعة وغيرهم في المنطقة من وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة لأن تلك الحركات وصلت إلى السلطة من خلال شعارات سياسية واجتماعية أتت من الشارع".

وشدد على أن "مطالب الحركة الشعبية في سورية هي مطالب مشروعة وعلى الحاكم أن يستمع إلى أصوات شعبه ولا يجوز قمع الشعب وإسكات أصواته بالقهر والقتل"، موضحا أنه "لا بد من إعطاء الفرصة لحركات الربيع العربي في الدول التي وصلت إليها حيث إنه من السابق لأوانه الحكم لها أو عليها، لأن التجربة لا تزال في بدايتها".

كلام الأمين جاء في حوار خاص مع "الوطن" هنا نصه:

دعم الرأي الآخر

صدرت مؤخرا دعوات من شخصيات شيعية دينية ومدنية تتخذ مسافة من حزب الله وحركة "أمل" المعتبرين ممثلين لشيعة لبنان وتدعوهما إلى قبول الاختلاف الشيعي، وقد كنتم من أوائل المعارضين لسياساتهما الداخلية والخارجية، هل ستنجح هذه المحاولة وهي ليست الأولى في إعادة جمهور الشيعة إلى طبيعته في الالتزام بالدولة اللبنانية والاعتراف بها والاعتراف بالعلاقات العربية وتقريبهما من هذا المفهوم بعد أن أخذوا نحو النظام الإيراني وارتبطوا بالنظام السوري وأنظمة ما يسمى بالممانعة والمقاومة؟

تعتبر هذه المحاولة من أصحابها تظهيراً لصوت من أصوات الرأي الآخر داخل الطائفة الشيعية في لبنان وتعبيراً مشروعاً عن حق الاختلاف ولو جزئياً مع الرأي الحزبي السائد في الطائفة الذي أوحى أصحابه للداخل والخارج أنهم يختزلون رأي الطائفة الشيعية بالثنائي الحزبي (حزب الله وحركة أمل)، وساعدهم على ذلك منطق المحاصصة في الحكم والسلطة اللبنانية اللذان أعطياهما الوكالة الحصرية عن الطائفة.

والرأي الآخر كان موجوداً داخل الطائفة الشيعية ولا يزال وكان يظهر في الأوقات الصعبة رافضاً سياسة الثنائي (أمل وحزب الله) في الوقوف في وجه قيام الدولة التي أدت إلى الاصطفافات المذهبية والطائفية ورافضاً الارتباط بالسياسة الإيرانية والسورية وما يسمى بمحور الممانعة. ولكن هذا الصوت كان يقمع ويحاصر من قبل القوى الحزبية المهيمنة على الطائفة ولم يلق الدعم والتأييد ولا الدفاع عنه من الدولة اللبنانية التي يحمل لواءها ويدافع عنها ويدعوها إلى بسط سلطتها الكاملة على أراضيها.

الخروج من الفتنة

ما هو المطلوب برأيكم من أجل أن تنجح مقومات هذه الدعوة لإنقاذ اللبنانيين من فتنة سنية شيعية رأينا بعض مظاهرها في أحداث طرابلس وفي تكوينات سنية تطرح شعارات شبيهة بشعارات حزب الله المرفوضة مثل ظاهرة الشيخ أحمد الأسير الذي ربما تلتقون معه بموضوع نزع سلاح حزب الله؟.

إن ما ينقذ اللبنانيين من الفتنة والصراعات هو قيام الدولة اللبنانية ببسط سلطتها على كامل أراضيها بحيث تكون هي وحدها المسؤولة عن الأمن وغيره من الشؤون التي تقوم بها الدول في أوطانها وشعوبها. وبذلك تقطع الطريق على تحويل الخلافات السياسية إلى خلافات مذهبية واصطفافات طائفية، ولا شك أن نشر الوعي الديني الرافض للفرقة والبغضاء يساهم في ترسيخ علاقات الأخوة والعيش المشترك في لبنان.

لا خوف من الإخوان

هل برأيكم هناك خوف على الشيعة في المنطقة في ظل صعود نجم الإخوان المسلمين ووصولهم إلى السلطة في تونس ومصر؟.

لا أرى مبرراً للخوف على الشيعة وغيرهم في المنطقة من وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة لأن تلك الحركات وصلت إلى السلطة من خلال شعارات سياسية واجتماعية رفعتها حركات شعبية عامة طالبت بالحرية والعدالة، وهي مطالب غير طائفية ومن الملاحظ أن الفكر الديني الذي تطرحه حركة الإخوان المسلمين في كثير من وثائقها السياسية ومؤتمراتها يكشف عن سعيهم لإقامة الدولة المدنية التي تقوم على قاعدة المساواة والعدالة بين كل المواطنين على اختلاف مذاهبهم وأديانهم.

ندعم مطالب الحركة الشعبية

كيف تنظرون إلى الثورة السورية وإلى ما قيل عن مشاركة عناصر لبنانية من أحزاب متحالفة مع نظام بشار الأسد في القتال ضد الثوار؟ هل حقيقي ما يتناقله الإعلام حول هذا الموضوع وكيف يمكن تدراك الأمور لا سيما بعد الرد بخطف لبنانيين في سورية من قبل ثوار أعزاز؟

رأينا منذ البداية أن مطالب الحركة الشعبية في سورية هي مطالب مشروعة وعلى الحاكم أن يستمع إلى أصوات شعبه ولا يجوز قمع الشعب وإسكات أصواته بالقهر والقتل لأن اعتماد الحل العسكري والأمني لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأمور وزيادة الأخطار على سورية والمنطقة، واللغة التي يجب أن تكون بين الحاكم وشعبه هي لغة الحوار والإصلاح وليست لغة السلاح. وليس لدينا معلومات تثبت مشاركة عناصر من أحزاب لبنانية متحالفة مع النظام السوري في قمع حركة الشعب السوري. هي أخبار صحف وغيرها لم يثبت لدينا عليها دليل. وفي كل الأحوال فنحن نرفض الوقوف إلى جانب النظام في سياسة الحل العسكري والقمع الدموي وكل أشكال العنف من مختلف المصادر ونرفض منطق الخطف والخطف المضاد من المنطلق الشرعي والإنساني، ولا يجوز الانغماس بهذا المنطق الطائفي غير المشروع الذي يسيء إلى أهداف الحركات الشعبية ويؤدي إلى انحرافها عن مسارها بتأجيج الصراعات المذهبية والطائفية التي لا يستفيد منها إلا أعداء الأمة الساعون لتمزيق الأمة من داخلها بإشغالها بأنفسها وإقصائها عن دورها الريادي في أوطانها والعالم.

رغم ما يقال عن الربيع العربي هل أنتم ترون فيما يجري ربيعا أم تتخوفون من تأثيراته؟

لا بد من إعطاء الفرصة لحركات الربيع العربي في الدول التي وصلت إليها حيث إنه من السابق لأوانه الحكم لها أو عليها، لأن التجربة ما تزال في بدايتها. وفي كل الأحوال فإن أسبابها انبعثت من أمورٍ كان يعاني منها المجتمع في تلك الدول والأنظمة التي لم تحقق الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية لشعوبها، واستبد فيها الحاكم الأوحد والحزب الواحد باتخاذ القرارات وحصر السلطات واتسعت الفجوة بين الحاكم والمحكوم.

ولست أرى في الربيع العربي قانوناً يسري في كل الدول والأنظمة العربية وذلك لاختلاف الأمور بين دولة وأخرى وبين حاكم وآخر من حيث العدالة الاجتماعية والحريات السياسية التي يمكن تعزيزها من خلال العمل على المزيد من إشراك الشعب في العملية السياسية وإدارة البلاد عبر المؤسسات التشريعية ومن خلال تعزيز المواطنة بربط المواطن بالدولة ومؤسساتها مباشرة وليس من خلال الزعامات الشخصية والمؤسسات الطائفية.

تثمين دور المملكة الإنساني

كيف تنظرون إلى مواقف المملكة من التطورات الأخيرة في المنطقة لاسيما من الثورة السورية ودعم النازحين ومساعدتهم؟ ما هو تقييمكم لدورها من القضية الفلسطينية وموضوع المسجد الأقصى والقدس ودورها في لم الشمل الفلسطيني؟ وما هي نظرتكم إلى ما تقوم به المملكة من أجل مساعدة لبنان على تجنب الفتنة والحرب الأهلية وفي تقريب وجهات النظر وحمايته من المتغيرات المحيطة في المنطقة منعا لانزلاق القوى السياسية في مخططات الخارج؟.

لقد كانت المملكة سباقة في الدعوة إلى وقف سفك الدماء في سورية وفي دعوة النظام فيها للاستجابة إلى حل سياسي عبر الدخول في إصلاحات حقيقية تضع حداً للمعاناة وقمع الحريات؛ وهذا ما لم يحصل حتى الآن ولذلك تفاقمت الأزمة الإنسانية للشعب السوري وازداد عدد النازحين من الأراضي السورية إلى دول الجوار وغيرها؛ مما جعلهم بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، وقد هبت عدة دول للمساعدة وفي طليعتها المملكة العربية السعودية التي تعودنا منها المواقف الأخوية والإنسانية في الأوقات العصيبة على الدوام، كما حصل ذلك منها عندنا في لبنان وغيره خصوصاً في زمن الحروب والشدائد.

وعلى العموم فإن سياسة المملكة وقيادتها مع القضايا العربية كانت وما تزال تلقى الاهتمام الكبير من خلال عملها على إصلاح ذات البين والبعد عن الصراعات والفتن الداخلية بين الأخوة كما صنعت في جهودها لجمع الشمل الفلسطيني مرات عديدة، وكما صنعت في لبنان مرارا سعياً منها لتجنيبه الانقسامات والنزاعات من خلال دعم الدولة اللبنانية ومؤسساتها وسيادتها واستقلالها.

حوار الأديان والمذاهب

كيف تنظرون إلى دعوة خادم الحرمين الشريفين إلى حوار الأديان وإظهار صورة جديدة للإسلام بعد التشويه المتعمد إثر أحداث 11 سبتمبر؟ وهل نجحت جهود المملكة برأيكم في هذا الاتجاه؟.

لقد جاءت دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله إلى حوار الأديان والثقافات لتعزيز الروابط العالمية بين الأمم والشعوب ولقطع الطريق على كل محاولات التشويه لصورة الإسلام، ولا تزال هذه الخطوة بحاجة إلى المزيد من الدعم والتأييد من مختلف الدول لتشق طريقها وتؤتي كامل ثمارها بإبعاد شبح الصراعات والنزاعات التي تهدد السلام العالمي، وقد جاءت دعوة خادم الحرمين الأخيرة بإنشاء مركزٍ للحوار بين المذاهب الإسلامية في الرياض خطوة هامة أخرى في هذا المجال تعزيزاً للحوار وسعياً لإظهار القيم والمبادئ السامية التي يدعو إليها الإسلام بين أتباعه؛ فإن وجود الحوار والتفاهم بين أبناء الأمة الإسلامية هو أكبر مساعد على خدمة الإسلام والدعوة إلى شريعته السمحاء؛ لأن العالم ينظر إلى الإسلام من خلال علاقات المسلمين بعضهم مع البعض الآخر.