تستضيف الرياض القمة الاقتصادية العربية الثالثة هذا الأسبوع. وتقليد عقد القمم الاقتصادية العربية حديث العهد، حيث عُقدت أول قمة من هذا النوع في الكويت عام 2009، والثانية في شرم الشيخ عام 2011، إذ كانت القمم العربية في غالبها سياسية منذ تأسيس الجامعة في عام 1945.
وحسب الاتفاق تعقد القمم الاقتصادية مرة كل عامين، فماذا حققت حتى الآن؟ وهل تنجح مستقبلاً في تحقيق الهدف المراد منها وهو استقلالية القرار الاقتصادي عن السياسة التي عطلت التكامل العربي؟
هناك شكوك كثيرة في قدرة الاجتماعات التي تنظمها الجامعة العربية على تحقيق الكثير مما تعد به من مشاريع وإنجازات، ولكن ما لفت نظري هذا الأسبوع هو مشاركة بعض كبار المسؤولين في الجامعة في هذه الشكوك، بإعلان الشكوى من أن نسبة الإنجاز في تنفيذ قرارات القمتين الاقتصاديتين السابقتين لم تتعد الصفر، وأن الوحدة الاقتصادية العربية مجرد كلام لا جوهر تحته.
وحسب تصريحات المسؤولين في الجامعة العربية، فعلى الرغم من أن القمة الاقتصادية الأولى أعلنت في يناير 2009 عن العزم على استكمال الاتحاد الجمركي في عام 2015، فإنه لم يتم اتخاذ خطوات عملية تُذكر للإعداد له، مما يجعل من المشكوك فيه أن يتم استكماله في موعده المحدد، وبالمثل أعلنت قمة الكويت عن قيام السوق العربية المشتركة في عام 2020، إلا أن الإعداد لها لم يبدأ بصفة فعلية، حسب تلك التصريحات.
وهذه الفجوة الكبيرة بين وعود القمم العربية وإنجازها هي سبب يأس المواطن العربي من إمكانية تنفيذ أي مشروع تكاملي ذي معنى. ويشكل هذا الإحباط لدى المواطن تحدياً كبيراً على قمة الرياض أن تواجهه وتثبت إمكانية قيام عمل عربي مشترك على المستوى الاقتصادي.
وكما نعرف فإن الجامعة العربية من أقدم المنظمات الإقليمية في العالم، تأسست في مارس 1945، قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. ومع أن الجامعة اشتهرت بشعاراتها الجميلة، إلا أن الإنجازات نادراً ما قاربت تلك الوعود. فعلى سبيل المثال، تبنت الجامعة العربية في فبراير1957 "اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية"، بعد شهرين من إقامة السوق الأوروبية المشتركة. ووفقاً لتلك الاتفاقية، كان من المفروض الوصول إلى سوق عربية مشتركة، بكل مكوناتها، بحلول عام 1965.
ولا حاجة للقول إن شيئاً من ذلك لم يتحقق، كما لم يتحقق الكثير من الوعود الأخرى في المجال الاقتصادي.
وعادة ما تعيد الجامعة فشلها في تحقيق تلك الآمال إلى عوامل خارجية، مثل التدخلات الخارجية التي عرقلت العمل نحو الوحدة العربية، وانشغالها بالقضية الفلسطينية والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، والانشغال بتحرير الدول العربية من الاستعمار الأجنبي.
وربما كان بعض هذه المبررات مقنعاً، ولكنها ليست كافية لتبرير التأخر في الملفات الاقتصادية على وجه الخصوص. فمما لا شك فيه أن إسرائيل لم تخف يوماً رغبتها في إضعاف قدرة العرب على إنجاز الوحدة العربية في أي مجال، وأن اعتداءات إسرائيل قد استنزفت الكثير من الموارد العربية في الإعمار وإعادة الإعمار.
ولكن ليس هناك دليل على أن الدول الكُبرى قد حاولت تعطيل مسيرة العمل العربي، خاصة في المجال الاقتصادي، وخاصة بعد تخلص الدول العربية من الاستعمار، الذي انتهت آخر مظاهره بانسحاب بريطانيا من دول الخليج العربي في عام 1971، أي منذ أكثر من أربعين عاماً.
فما هي إذاً بعض الأسباب الحقيقية لعدم إنجاز الكثير نحو الوحدة الاقتصادية العربية؟ لا شك أن أحدها هو الخلافات بين الدول العربية في سياساتها الاقتصادية، ففي حين فضّل بعضها السياسات الشمولية والتغييرات الثورية والحلول السريعة، فضل بعضها الآخر الإصلاحات التدريجية. واتبعت المجموعة الأولى صيغاً من التخطيط المركزي الاشتراكي والملكية الجماعية في الزراعة والصناعات المؤممة، في حين اتبعت الثانية نظماً أقرب إلى الرأسمالية المقننة.
وفي التجارة الخارجية، تبنت معظم الدول العربية سياسات حمائية تعتمد على تقييد الاستيراد ورفع الرسوم عليه، في حين تبنى عدد محدود منها سياسات منفتحة للتجارة الخارجية.
وقد جعلت هذه الأسباب من الصعب الاتفاق على متطلبات التكامل الاقتصادي الذي يتطلب درجة عالية من تقريب السياسات.
ولكن أكثر الأسباب تعقيداً كان وما يزال التداخل الشديد بين السياسة والاقتصاد، مما جعل العمل الاقتصادي المشترك رهينة للخلافات العربية في المجال السياسي، ولم تنجح الجامعة العربية، حتى وقت قريب، في تحقيق الفصل بين هذين المسارين.
ومنذ بضع سنوات فقط، اقتنعت الجامعة العربية بأن أسلوبها الأحادي الذي تبنته منذ عام 1945 قد فشل في تحقيق النتائج المطلوبة في المجال الاقتصادي. وبمبادرة سعودية - كويتية - مصرية تبنت الجامعة أسلوباً جديداً يهدف إلى تحقيق استقلالية في المسار الاقتصادي يسمح له بالانطلاق بعيداً عن القضايا السياسية. وبناءً على ذلك، تم الاتفاق على عقد قمم اقتصادية تسعى لإزالة معوقات العمل الاقتصادي المشترك بمعزل عن المسار السياسي، وعُقدت أول قمة اقتصادية في الكويت في يناير 2009.
ولكن هذا التغيير الجوهري في أسلوب العمل العربي المشترك لم يكن من السهل تنفيذه على أرض الواقع، لأنه من الصعب إعادة تأهيل الجامعة العربية للقيام بهذه المهمة. فإلى أن تتمكن بيروقراطية العمل العربي المشترك من استيعاب الأسلوب الجديد المزدوج (اقتصادي – سياسي)، سيظل التنفيذ الفعلي محدوداً.
والتحدي أمام قمة الرياض يكمن في وضع خطوات عملية واضحة لتحقيق ما سبق أن تم الإعلان عنه في القمتين السابقتين، لإقناع المواطن العربي بفرص نجاح العمل العربي المشترك في المجال الاقتصادي.