هنالك قضايا عدة تثقل جسد الأمة العربية وأهمها القضية الفلسطينية، التي كانت وستبقى محور كل القضايا أمس واليوم وغداً إلى أن يتحرر إخوتنا وتعود إليهم حقوقهم المغتصبة، ولكننا اليوم نجد أن قضية فصل الضفة الغربية عن القدس، وتهويد المدينة بأكملها، ومحاصرة المناطق المحيطة تتم عن طريق تواتر قرارات مجحفة بحق شعب يئن من الحصار، وآخرها بناء مستوطنات الكيان الصهيوني التي تجسد استراتيجيات مبنية على الإيمان بالقهر والسرقة وعمليات التطهير العرقي، ويتجلى ذلك في العمل على تقسيم الضفة إلى مناطق شمال وجنوب، هم يسمونها أراضي متنازعا عليها ونحن نسميها أراضي محتلة، متجاهلين كليا القرارات الدولية وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي نصت في قرار 49 على التالي: "يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أيا كانت دواعيه".
قبل بضعة أشهر، وكردة فعل انتقامية وحاقدة على توجه الحكومة الفسلطينية إلى الأمم المتحدة والحصول على الاعتراف بعضوية دولة مراقبة، أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن عزمها بناء حوالي 4000 وحدة سكنية استيطانية في المنطقة التي يشير إليها الكيان الصهوني بـE1، منطقة تبلغ مساحتها حوالي 13 كيلو مترا مربعا والتي تقع على أراض فلسطينية مصادرة في القدس الشرقية بين مستوطنة معاليه أدويم، التي تقع على أراضي الضفة الغربية المحتلة والقدس.
وحين أقام شباب فلسطين المحتلة قرية "باب الشمس"، كانت بمثابة الدفاع عن حقوقهم أولا، وتحديا لقسوة الاحتلال ثانية، فلم يتقبلوا الصمت على التوسع الاستيطاني ومصادرة أراضيهم الذي لا يتوقف كل يوم عن هدم البيوت، واقتلاع أشجار الزيتون، وإرهاب الناس من أجل مغادرة بيوتهم، لذا أتى تحرك المقاومة الشعبية الأخير بإقامة مخيم باب الشمس كرمز لنضالهم، رمز للعودة لأنها بوابة العودة، ولقد أوضح ذلك ليس فقط للكيان الصهيوني بل للعالم بأسره، من خلال تصريحهم: "نعلن نحن، أبناء فلسطين، من كافة أرجائها، عن إقامة قرية "باب الشمس" بقرار من الشعب الفلسطيني، بلا تصاريح الاحتلال وبلا إذن من أحد، لأنها أرضنا ومن حقنا إعمارها".
ثارت ثائرة الكيان الغاصب وأصدر إشعارا غير قانوني بالإخلاء ومن ثم الطرد القسري، ولقد نشرت "هآرتس" في الثالث من يناير هذا العام أن نتنياهو طلب من المحكمة العليا إلغاء أمر قضائي مؤقت ضد الإخلاء، كما أمر بإغلاق الطرق المؤدية إلى القرية، وقام الجيش بدوره من خلال إعلان المنطقة منطقة عسكرية مغلقة، بهذا تحدى نتنياهو سلطة المحكمة العليا بتحويره أو اللعب كعادته بالكلمات قائلا: "إن الحكم تحدث عن حظر إزالة الخيام لا البشر"، وما قام به هو ليس إلا لأسباب أمنية... يدعون أنها أراضي الدولة بينما هي مثبتة للفلسطينيين بسندات ملكية وقانونية! وعليه قبل الفجر قامت مئات من قوات الأمن بمداهمة الفلسطينيين وعلى أرضهم، ولم تستثن أحدا، النساء والأطفال وكبار السن والعجزة، حتى الصحفيون والمؤيدون طالهم التعدي والاعتداء، يريدون خنق صوت الحقيقة، يرعبهم أن تبث همجيتهم على العالم! ولكن الشباب قيدوا أنفسهم، بعضهم ببعض، بالسلاسل لمنع الجنود أو على الأقل جعل الأمر صعبا عليهم في جرهم، حركة ذكية ولكنها كالعادة لا توقف المعتدي بل تزيده همجية، فاعتدوا عليهم، وجرح وتأذى الكثير، ورغم كل ذلك فما فعله المحتل لن يزيد المناضلين لتحرير فلسطين إلا إصرارا وتصميما على الاستمرار، إنهم حين يتعدون على حقوق الشعب الفلسطيني، يتحدون مبادئ سيادة القانون الدولي والقيم الديمقراطية، بل إنهم من يهدد السلام العالمي بعنجهيتهم وضلالهم!
أغلقوا "باب الشمس"، فجاءهم باب الكرامة، يغلقون باب الكرامة، سيفتح الفلسطينيون ألف باب وباب، فتحية للشباب المناضل، الذي أوصل بفكرة إبداعية وحقوقية صوته للعالم، إن لم تحرك الضمير العالمي فعلى الأقل شدت انتباهه، وبالتالي ألقت الضوء مجددا على شعب يطالب بأرض خسرها تحت كذبة أرض بلا شعب!
آخر الكلام:
رحلنا مع رياح المدينة.. شغلونا بالشال وأم المنديل ونسينا أنك من حقوقك تعريت.. شغلونا بلقمة العيش ونسينا أنك من الجوع للأرض تئنين.. نسيناك فلسطين.. فهل تسامحين؟