لماذا هناك الكثير من الصراع والمعاناة في ذهنيتنا الجمعية؟ سوء الفهم، التعصب للرأي، القلق، المخاوف، الهموم، إلخ... هذا لأن هناك دوائر متعددة يدور في فلكها الجميع على مدار اليوم تتوسع وتضيق، تزداد وتكثر هذه الدوائر التي يعيشها الإنسان كل يوم وتصبح أكبر من أن يغادرها فتحتل وجوده وكيانه ويصبح جزءا منها يدور في فلكها لا يخرج منها إلا بقوة وعي كبيرة ترشده إلى أن هناك مكانا ما خارج هذه الدائرة أكثر جمالا وأقل قبحا.
لكل إنسان دائرة ارتياح خاصة به، وهذه الدائرة التي تتحكم به هي ما يشكل هويته التي ينتمي إليها والهوية التي المقصودة هنا هي الأفكار والمشاعر والمعتقدات التي لديه والتي يُعرف نفسه من خلالها. وبما أنه أصبح يعيش ضمنها فإنه تعود أن يمارس كل ما يتعلق بهذه الدائرة من فكر وتوجه ولا يجد أي صعوبة في جر الآخرين إلى دائرته تلك.
إن من أكثر هذه الدوائر اتساعا والتي تشكل حياة الناس، دائرة الارتياح لأن من بداخلها لا يرغب في مغادرتها لكونها تمثل له الشعور بالأمان الزائف، ولكن أكثر هذه الدوائر النفسية والفكرية صعوبة هي دائرة القبح.. التوافه التي نتفوه بها، الوقائع اليومية التي تأسر أذهاننا ومن ثم ثرثرتنا الذهنية التي لا تتوقف هي ما يغذي مثل هذه الدوائر النفسية.
نحن نصرف الكثير من الطاقة في أمور شتى لها علاقة وثيقة بالوقوع في دائرة القبح مثل: النزاع، والانسياق ضمن دائرة القبح التي يخلقها الآخرون، مسببات ودوافع عديدة تنهك قوانا.
إننا إذا ما تأملنا في كل ما نصدره يوميا وواجهنا تفاصيل حياتنا اليومية لا بد أن نرى الهَدْر الكبير غير الإنساني الذي يحدث لنا والذي يمارسه الناس يوميا بشكل مبالغ فيه.
إن كل دورة تم فيها تدمير المجتمع البشري في عُصور ما قبل التاريخ، كانت أخلاق الإنسانية توجد في حالة انحطاط قصوى. وإنهم كانوا عمليا في داخل دائرة مغلقة تصبح فيها غير قادرة على البقاء في مستوى إنساني وأخلاقي عال فيسوء أمرها أكثر فأكثرَ، وتسقط.
إن تدخل الأفكار الجمعية تلقائيا في وعي الشعوب ووجدانهم، ثم في التركيبة الاجتماعية، والفردية يجعلها تصبح ـ فيما بعد ـ عبارة عن مسلمات لا يمكن تجاوزها أبدا. وهذا يمنعهم من رؤية الصورة الكبرى. بحيث يعجزون عن رؤية السيناريو الذي يحدث داخل دوائرهم التي تتسع يوما بعد الآخر.
إن مثل هذا السيناريو لا يمت إلى الروح بصلة، لأنه يحول بيننا وبين تذوق شيء من السلام والطمأنينة والسعادة. إنه ما يمكن تسميته بالشقاء.