مات وحيد سيف، وبموته تنطفئ ابتسامة عابرة في الحياة، وتذوي في الأفق البعيد ضحكات جلجلت مثل أجراس معدنية في سقف الدنيا، وإذا رحل كوميديان تضيق الأرض قليلا، وتستبدل الأيام بهجتها بجهامة قاتمة.

كان وحيد سيف سليل مدرسة كوميديا حسن فايق، حيث ردات الفعل البريئة والتعبيرات الطفولية والمواقف المحرجة والانفعالات اللحظية، شكلت سينما الثمانينيات الميلادية والتي وسمت بالمقاولات حقله ومساحته التي ملأها، ولولا سينما المقاولات لماتت السينما المصرية، وغدت مجرد تراث جميل محله الذاكرة وأرشيف المؤرخين. كان وحيد سيف مختلفا، صاحب أسلوب فني مميز، لا تكرهه شريرا ولا تستنكره مدعيا، وحتى أيامه الأخيرة كان قادرا بشكل غريب على انتزاع الضحكة ورسم البسمة حتى بعد أن ملأت ملامحه التجاعيد وثقلت خطاه.. صحيح أن الرجل مانح الفرح وموزع القفشات لم يكن نجم شباك ولا شابا جذابا لكن حضوره واضح وموهبته كبيرة وعصية على الانزواء والتهميش.. عايش الأجيال ونافس الكبار، وإن أتت نجوميته متأخرة لكن زخمها هائل ومميز وإن اكتفى بكركترات محدودة.

وفي المسرح كان فرد العصابة الذي لا تمله واللص الذي تتعاطف معه، أيامها كان الناس أقل حدة، يبهجهم الموقف وتضحكهم أدنى التعليقات بساطة، واليوم تتعقد المسائل وترتفع الشروط، تحول الضحك إلى بلاهة، وانساق الممثلون إلى أنماط كل محاورها مزعج وحاد، تشنجات حسية وضجيج شيء يشبه أفلام الكارتون.. لكن بلا خيال، فصار "اللمبي" و"كركر" و"بوشكاش"، واختلط الأمر.

يرحل وحيد سيف والمشهد أكثر قتامة، تتضاءل مساحة الكوميديا في الحياة، تنجز الكآبة كل يوم منجزا جديدا، وسط هذا نلجأ إلى الذاكرة علها تسعفنا بموقف وتنجدنا بمشهد لنتجاوز مأزقنا الحياتي وتشحننا بالأمل.. سر الكوميديا الخفي ومهمتها الأزلية هو تجددها عبر الزمن حتى وإن رحل أحد مانحيها اليوم.

يرحل وحيد سيف وترحل معه أجزاء من ذاكرتنا وضحكاتنا البريئة، وقد أنجز فيها ما هو لطيف ومبتسم دون تكلف ولا اجتراء، بموهبة لا تتكرر، حتى وإن لم تنل الصدارة في شباك التذاكر ولا الأجور.. كوميديا صافية وبسيطة التفاصيل.