بدأت الدورة السادسة لمجلس الشورى السعودي مختلفة نوعياً عن جميع الدورات السابقة بدخول المرأة عضوية المجلس للمرة الأولى، وعلى الرغم مما للمجلس من انعكاس مفترض للمجتمع وواقعه، إلا أن ثمة تغيرا عما كان مأخوذاً به سابقاً من مراعاة لجانب التكوين الاجتماعي للمجتمع السعودي على المستوى المناطقي والقبلي والأسري والطائفي، ولا سيما أن انتماءات المجتمع السعودي ما زالت انتماءات طبيعية، حيث لم تصل بعد إلى مرحلة الانتماء على أساس مؤسسات "المجتمع المدني" التي لا تلغي الانتماءات التقليدية ولكنها تعتبر موازية لها.
صحيحٌ أن المعايير الأساسية لاختيار أعضاء مجلس الشورى هي الكفاءة الوطنية والعلمية، ولهذا جاء أغلب الأعضاء من (التكنوقراط) إلا أنه في ظل التكوين الطبيعي الحالي للمجتمع السعودي تبقى الأسرة والقبيلة والطائفة - والمنطقة الجغرافية أيضاً - انتماءً فاعلاً ومؤثراً، ولذلك فهذه المعايير موجودة منذ تأسيس المجلس ولا يمكن تجاهلها، لأنها تضع التوازنات الاجتماعية في الحسبان بعد توفر معيار الكفاءة، وهنا قد يظن البعض أن اختلال بعض هذه المعايير سواء في غياب تمثيل بعض الفئات أو وجود أكثر من ممثل لفئات أخرى هو أمر جدير بالملاحظة.
وعلى هذا الأساس فإن الاختيار، طالما هو اختيار، بناءً على المعطيات الشاملة يمنح ضمانة اجتماعية للتمثيل، إذ إن هناك ما يقتضي استيعاب كافة المكونات المجتمعية، وخاصة في ظل ارتفاع نسبة المؤهلات الأكاديمية العالية لأعضاء مجلس الشورى - وهو ما يسرُّ بلا شك - إلا أن ما قدمه ويقدمه العضو للوطن في الجوانب المختلفة العلمية والثقافية والإدارية والاجتماعية أمر خليق بالأخذ في الاعتبار، فالمعيار الوطني للتمثيل بالنسبة للعضو هو تبنيه للقضايا الوطنية والمجتمعية التي تهم الوطن أولاً ثم المجتمع تالياً بلا انحياز لفئة على حساب أخرى.
إن الواقع الحالي لمجلس الشورى السعودي يقوم على الاختيار من جهة، وتقديم الرأي والمشورة من جهة أخرى، لذلك ربما تكون الكفاءة ذات مستويات متعددة أهمها الرؤية السياسية والاجتماعية والفكرية الثاقبة سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي، وإدراك المتغيرات الحاصلة باستمرار في العالم في ظل الوسائط المتعددة للإعلام والاتصال، حيث لم يعد اليوم أي إمكانية للانزواء ولا مكان لأي مجتمع يبقى بعيداً عن محاور التأثير التي اقتضتها ظروف الحياة المتغيرة، مما يستلزم الاتجاه لاستيعاب تلك المتغيرات بعقليات متجددة مع المحافظة على المبادئ الراسخة لثقافتنا، ويحتاج ذلك إلى رؤية بانورامية للتغيرات التي تطرأ في الحقب الزمنية المتتابعة.
قبيل بدء الدورة الجديدة لمجلس الشورى، انتشرت النقاشات في وسائط الإعلام الجديد حول استشراف مستقبل هذه الدورة، وما قد يطرأ عليها من مشاريع وقرارات، ونتيجة لـ"التفاعلية" التي تُميز الإعلام الجديد، اتسمت بعض الطروحات بالحدة وبعضها الآخر بالتفاؤل، إلا أن الآمال والطموحات كانت ترتكز على حيوية وفاعلية الأعضاء الجدد الذين تم اختيارهم بعد مغادرة أكثر من 60 عضواً وبقاء 90 عضواً، منهم من سيكمل دورتين أو ثلاثا خلال هذه الدورة الحالية، وما زالت الطروحات الإعلامية حول الأعضاء تركز على الفاعلية؛ مما يستوجب أن يكون الإعلام قريبا من المجلس ولا سيما في بث الجلسات على الهواء مباشرة.
وعلى الرغم من أن الرأي والدراية والمشورة والإدراك تحتاج إلى مقومات معينة إلا أنها ليست بالضرورة أن ترتبط بتقدم العمر بشكل كبير، لكن الواقع يشير إلى أن نسب تمثيل العناصر الشابة في المجلس لمن هم في العقد الثالث والرابع من العمر، والذين يفترض أنهم يمثلون جيلاً كاملاً يشكل أكثر من 60% من المواطنين، على اعتبار أن الشباب يشكلون رقماً قريباً جداً من هذه النسبة، فكان من الأجدر تمثيلهم بنسبة أكبر، ومن هذا المنطلق يلاحظ في البرلمانات العالمية وجود نسب لا بأس بها من التمثيل لفئات متباينة ومختلفة فكراً وعمراً وتوجهات، ومنها فئة الشباب، إلا أن معايير الانتخاب تختلف، وتؤدي فيها الأكثرية دوراً أساسياً في التمثيل.