لم يكن حصولهم على الشهادة الجامعية مرادهم فقط، ولم تكن الوظيفية الحكومية هاجسهم الوحيد، بل كانت نظرتهم أشمل وأعم إلى مستقبل واعد، فسلكوا طريق الأعمال الحرة مؤمنين بأن وطنهم ناشئ، وأن فرص الاستثمار متوفرة، في ظل طفرة تنموية صاحبها اعتماد العديد من المشاريع التي شهدتها المملكة خلال السنوات القليلة الأخيرة، فضلا عما يحققه ذلك التوجه من توطين للوظائف، وإزاحة تدريجية للوافد ولو أخذ ذلك وقتا طويلا.
شباب الأعمال الجامعيون خاضوا تجارب مختلفة في ذلك الاتجاه، ورغم النجاحات، إلا أن هناك معوقات لا تزال تعترض من دخل المضمار، وأخرى تشكل هاجسا لدى المقبلين على خوض التجربة.
تجارب شبابية
"الوطن" رصدت بعضا من تجارب أولئك الشباب، ومنهم علي بن ثامر آل ثامر، الذي أكد أن المملكة تشهد نهضة تنموية شاملة في جميع المجالات، مما أسهم في وجود بيئة خصبة للاستثمار، وساعد في ظهور جيل من رجال الأعمال الشباب الذين بدؤوا مشاريعهم الاستثمارية في عدة مجالات إما برؤوس أموال ذاتية، أو عن طريق بيوت التمويل الحكومية والخاصة.
وعن تجربته الخاصة قال آل ثامر "لدي حاليا مجموعة مؤسسات في نشاط المقاولات والعقار ونظم المعلومات، وكانت المقاولات نقطة البداية في عام 2004، وذلك لما وجدنا لهذا القطاع من نشاط متزايد، والمتمثل في توسع الدولة بطرح مشاريع البنى التحتية، مما أتاح لنا ولآخرين الدخول في هذا المجال، وكان بحق المنطلق والمرتكز لبقية الأنشطة الأخرى، في حين تم الحرص على توظيف السعوديين، وفقا للأنظمة المتبعة، وزاد نشاطنا من جازان إلى مناطق أخرى شملت عسير ونجران"، ويشير آل ثامر أن أبرز المعوقات التي واجهت مؤسساته تتمثل في ضعف صياغة العقود الحكومية، وترسية العقد لصاحب أقل عطاء بغض النظر عن قدرته بالوفاء بمتطلبات العقد، وكذلك ما تفرضه الجهات المعنية ووزارة العمل بالتحديد في سبيل الحد من الأيدي العاملة الأجنبية، وتشجيع نظام السعودة، وكذلك دخول المستثمر الأجنبي في القطاع، ومنافسة المقاول المحلي وبأسعار غير منطقية، إضافة إلى تأخر صرف المستحقات المالية، مما أدى إلى ضعف السيولة، الأمر الذي أدى إلى إخلال بعض المقاولين حيال الالتزام بفترة تنفيذ المشاريع، وكذلك ضعف جوانب التمويل المقدمة من البنوك المحلية لقطاع المقاولات، ولفت آل ثامر إلى أنه رغم وجود بعض المعوقات، إلا أن بيئة الاستثمار واعدة، لاسيما أمام شباب الأعمال، الذين تميزوا بطرح أفكار جديدة أسهمت في توفير استثمارات جيدة على مستوى الوطن.
بيروقراطية الإجراءات
أما الشاب فيصل بن علي القحطاني فأكد أنه تخرج في جامعة الملك سعود "تخصص محاسبة" قبل سنوات، ولم يفكر بالتوجه إلى القطاع الحكومي، فبدأ مشواره من خلال عمله بوكالة للشحن، مثلت له تجربة جيدة، وأسهمت في إثراء خبراته، فتمكن بعدها من خوض تجربة العقار وتحديدا الشقق المفروشة، إذ يعمل الآن على استئجار مقار من ملاكها ومن ثم تأثيثها وتشغيلها، مؤكدا بأن هناك آلاف الفرص للشباب في مجال العمل الحر، شريطة أن تتوفر لدى الشاب الرؤية الواضحة، ودراسة جدوى أي مشروع قد يقدم عليه، وكذلك توفر رأس المال على اعتبار أن مشوار الألف ميل يبدأ بميل واحد، وأضاف القحطاني "لا تزال البيروقراطية في تسهيل مهام شباب الأعمال لدى بعض الجهات الحكومية تشكل أبرز العوائق، إضافة إلى عدم قيام بعض البنوك وبعض مؤسسات التمويل بواجبها كاملا في دعم مشاريع هذه الفئة".
إصرار وعزيمة
ويؤكد الشاب أحمد بن علي البشري أنه تخرج في فرع جامعة الملك سعود بعسير سابقا "تخصص رياضيات" وكان التحاقه بوظيفة تدريسية وقتذاك سهلا للغاية، إلا أن العمل الحر استهواه، على اعتبار أن معظم الوقت في يد رجل الأعمال، على عكس الموظف الحكومي، الذي يستنزف العمل منه جل وقته، فضلا عن منعه نظاما من مزاولة الأعمال التجارية.
ويعود البشري لتناول تجربته قائلا "كانت لدي اهتمامات بمجال الدعاية والإعلان منذ الصغر، فعملت على افتتاح محل صغير بمدينة أبها قبل قرابة عشر سنوات، ولم تكن التقنية في ذلك الوقت حاضرة بقوة في هذا المجال، ومع مرور الوقت وتنامي حاجة المحلات والشركات التجارية إلى الدعاية توسع النشاط، وتم توظيف التقنية بشكل لافت في أعمالنا، إلى أن بدأنا نأخذ عقودا حكومية، وامتيازات للإعلان في الطرق والتقاطعات الهامة داخل المدن، وبدأنا توظيف العديد من الشباب حتى إن بعضهم استفاد من التجربة، واستقل في مشروع مماثل لوحده"، ويتطلع البشري إلى أن تقوم الجهات الحكومية والغرف التجارية الصناعية بتخفيف الإجراءات الخاصة بإحداث المؤسسات، أو مشاريع شباب الأعمال، وبما يدعم هذه الفئة.
استثمار التقنية
أما الشاب أحمد القحطاني، فيشير إلى أنه تخرج في جامعة الملك سعود، وتوجه إلى العمل الحر وتحديدا في مجال التقنية، إذ يعمل على تنفيذ برامج حاسوبية، وفق عقود معينة مع شركات ومؤسسات القطاع الخاص، ويتواصل معهم عن بعد، ومع ذلك حقق نجاحا وتوسعا في ذلك النشاط، معتبرا أن الفرصة سانحة لدى شباب الوطن، وخاصة المهتمين بالتقنية أن يسلكوا أكثر من طريق وأن يعملوا أكثر من عمل شريطة تنظيم الوقت والالتزام بالمسؤوليات، واعتبر القحطاني أن الأمان الوظيفي في العمل الحكومي ليس الخيار الوحيد، فهناك المئات من حملة الشهادة الجامعية، اتجهوا إلى الأعمال الحرة وأثبتوا نجاحهم، بل واستفاد من تجاربهم آخرون، وساروا على نفس الطريق.
إقناع الأبناء
ويشير أحمد الشعيل "رجل أعمال" إلى أنه أقنع أولاده رغم حصولهم على الشهادة الجامعية بالانخراط في مجال الأعمال الحرة، مقدما لهم التسهيلات والدعم والخبرة، على اعتبار أنه يعمل في مجال الدعاية والإعلان منذ أكثر من 30 عاما، وأشار إلى أن قيامه بهذه الخطوة تأتي عن قناعة بأن الفرص متاحة، والعمل الحر مورد جيد للكسب، لاسيما في السنوات الأخيرة التي شهد فيها السوق السعودي تنافسا، وفرصا استثمارية متعددة، إضافة إلى كون ذلك التوجه له أبعاد أخرى تتمثل في دعم الاقتصاد الوطني، والإبقاء إلى حد كبير من الأموال داخل الوطن وعدم تحويلها إلى الخارج، وتوطين الفرص، والحد من استقدام الأيدي العاملة.
نظرة إيجابية
ويرى المواطن حسين آل جابر أن نظرة المجتمع تغيرت تجاه العمل الحكومي وتقدير صاحبه، بل وأصبح أصحاب المال ورجال الأعمال من الفئات المرغوبة، والتي يشار لها بالبنان، ويضيف آل جابر "إن الأغلبية ينظرون إلى تلك الفئة نظرة إيجابية ونظرة تفاؤل، لاسيما بعد النجاحات التي تحققت على أرض الواقع، وكان أبطالها شبابا أثبتوا أنفسهم وخدموا وطنهم".
لجان لرعاية شباب الأعمال
ويشير رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية في أبها المهندس عبدالله المبطي إلى أن مجلس الإدارة أقر مطلع العام 1430 إحداث خمس لجان نوعية للكوادر الشابة التي انظمت أخيرا لمجلس الإدارة في دورته الجديدة، ومن أبرزها لجنه شباب الأعمال التي ستدعم السعودة وتخلق فرص عمل للشباب، وتعنى بمساعدة الشباب من أصحاب المنشآت الصغيرة، وتقديم الدعم لهم وحل مشاكلهم من خلال عمل اتفاقيات مع الصناديق والبنوك المعنية، لافتا إلى أن الغرفة تحتضن مركزا متخصصا للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، يهدف إلى دعم وتنمية وتطوير دور المنشآت الصغيرة والمتوسطة، باعتبارها القاعدة الأساسية التي تعتمد عليها معظم الدول المتقدمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، مشيرا إلى أن المركز يقدم خدمات متنوعة تغطي كافة مجالات العمل بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة، تشمل الاستشارات والتدريب والمعلومات، والإصدارات من الأدلة الإرشادية والإجرائية، وتنظيم اللقاءات والندوات والمحاضرات، والاستفادة من تجارب الغرف الناجحة في تطوير القطاع، واستكشاف المشكلات التي يعاني منها، ومحاولة دراسة سبل معالجتها ومناقشتها مع الجهات المعنية، إضافة إلى التعاون مع المؤسسات الأكاديمية العالمية المتخصصة بدراسة وتطوير قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة.